الذي يمكن تنفيذه والانتفاع به عملياً بتحويله إلى عمل؛ فالعلم بلا عمل لا خير فيه، مثله كمثل شجرة بغير ثمر. هذا هو المقياس الذي يقاس به العلم، ويحكم به على العلوم اليوم. ولا عجب؛ فبعد أن كان العلم يطلب للعلم، حباً في العلم ذاته، أصبحنا لا نفكر إلا في الماديات، نسأل عن مقدار ما يمكن أن يستفاد به عملياً في الحياة من تعلم هذا العلم أو هذه المادة، وأصبحت العلوم التي لا تؤدي إلى أكل الخبز، أو الخبز والزبدة، ينظر إليها نظرة تشكك في الإقبال عليها. ويكثر الإقبال على العلم أو المهنة بقدر ما يمكن أن تدره من المال في أقصر وقت. هذا هو مقياس الإقبال على العلم الآن، وهذا هو الرأي السائد بين الأكثرية من المربين والمتعلمين في الأمم المتمدينة. فالعالم أصبح تجارياً، والعلم كذلك أصبح ينظر إليه بنسبة ما يستطيع صاحبه أن يكتسبه بواسطته من وظيفة أو ثروة أو مركز أو نفوذ. ويكاد هذا العصر المادي يقضي أو قضى بالفعل إلى العالم الروحي، وعلى تعلم العلم حباً في العلم، والاشتغال بالفن حباً في الفن. وإننا لا نكره المادة، ولا ننادي بكره المادة أو احتقارها، ولكن يؤلمنا أن تسيطر المادة على كل شئ، حتى على أفكارنا وتعليمنا. ولا ننكر أن النجاح هو الحياة، وهو الفوز. وحبذا الأمر لو أمكننا أن ننجح النجاح المادي مع المحافظة على الروح العلمية الخالصة، فنجمع بين عالم المادة وعالم الروح.
فالحياة اليوم نزاع بين القديم والجديد، بين عالم الروح وبين عالم المادة، وهو نزاع لا نهاية له، ولكنه ليس نزاعً عدائيً، بل هو نزاع ودي تكميلي لا غرض منه سوى النجاح في الحياة
ولكن ما النجاح الذي نبغيه؟ وما الرقي الذي نريد الوصول إليه؟ هو نجاح الشعب ورقيه، روحياً ومادياً، قوةً ونفوذاً، علماً وعملاً، مبدأ وإنسانية. ولكن هل يمكن الجمع بين الروح والمادة في آن واحد؟ ولم لا؟ إن الإنسان يستطيع أن يكون روحياً إلى حد ما، ومادياً إلى حد ما، بحيث لا تتغلب الروح على المادة، ولا تسيطر المادة على الروح؛ فيأخذ من كل منهما نصيبه، ولا يعنى بناحية ويهمل الأخرى. والنجاح هو الفوز بعد الجد والتعب، التعب الجسمي والعقلي، سواء أكان ذلك النجاح في التأليف أو في نسج القطن وغزله، أو في بيعه وشرائه، أو في صنع السيارات أو الطيارات أو في كتابة الروايات. . إلخ
ومن الضروريات الأساسية للشخصية العملية العلم بالشيء الذي يراد القيام به، والرغبة في