ذهب البوصيري إلى المحلة سعياً وراء الرزق. وهناك دعاه بعض أصدقائه من بني عرام إلى دخزله الحمام، فزلت به قدمه وفي ذلك يقول:
كونوا معي عوناً على الأيام ... لا تخذلوني يا بني عرام
إن كان يرضيكم وحاشا فضلكم ... ضري فحسبي زلة الحمام
وأصبحنا بعد هذا الحادث نرى البوصيري يشير في قصائده إلىتلك العلة التي ألزمته داره. أما هذه العلة التي أصيب بها صاحبنا فهي كسر وليست فالجاً كما يعتقد الناس. وقد أشار البوصيري إلىهذا الكسر بقوله:
ما ضركم جبر الكسير وحسبه ... ما يبتغي في الجبر من آلام
ومع أن الشاعر هنا يتلاعب بالألفاظ إلا أننا نستطيع أن ندرك أنه كان مصاباً بكسر عاقه عن الحركة مدة من الزمن.
وقال:
ما حال من منع الركوب وطرفه ... يشكو إليه رباطه محبوسا
وفي كلمة (طرف) هنا تورية. فالطرف بمعنى مؤخر العين. والطرف بمعنى الساق وهي من أطراف الإنسان. فالبوصيري قد عجز عن الركوبلأنساقه المكسورة كانت قد لفت عليها الأربطة والضمادات فتعذرت عليه الحركة. وعلاوة على ما تقدم فإن الفالج لا يربط. ومن هنا نستطيع أن ننفي إصابته بالفالج الذي أبطل نصفه نفياً باتا.
وأمر آخر نستطيع أن نبطل به دعوى إصابة الرجل بالفالج، وهو قوله:
وبليتي عرس بليت مقتها ... والبعل ممقوت بغير قيام
إن زرتها في العام يوماً أنتجت ... وأتت لستة أشهر بغلام
أو هذه الأولاد جاءت كلها ... من فعل شيخ ليس بالقوام؟
فالرجل يقول إنه مع وجود هذه العلة كان يباشر زوجته وينجب منها. فكيف تكون هذه العلة فالجا أبطل نصفه؟ وإذا انتهينا من هذا إلىأن البوصيري أصيب بكسر ولم يصب بفالج، أمكننا أن ننفي تلك القصص التي نسجت حول البردة.
روي ابن شاكر عن البوصيري أنه قال: ثم اتفق بعد ذلك أن أصابني فالج أبطل نصفي ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة فعملتها واستشفعت بها إلى الله تعالى في أن يعافني