وكررت إنشادها وبكيت ودعوت وتوسلت ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فمسح على وجهي بيده المباركة وألقى علي بردة. فانتبهت ووجدت في نهضة فقمت وخرجت من بيتي. . . الخ)
وروى غير ابن شاكر أن البوصيري (جاء يوماً من عند أحد السلاطين إلى بيته فصادف شيخاً مليحاً فقال له:
أنت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام؟ قال البوصيري: إني لم أر النبي في تلك الليلة. لكن امتلأ قلبي من ذلك الكلام بعشقه ومحبته عليه السلام فجئت إلى بيتي فنمت فإذا أنا رأيت النبي صلى الله عليه ومع الأصحاب كالشمس بين النجوم فانتبهت وقد ملئ قلبي بالمحبة والسرور، ولم يفارق بعد ذلك من قلبي محبة ذلك النور وأنشدت في مدحه قصائد كثيرة كالمضرية والهمزية)
فهذه القصة تزعم أن البوصيري رأى النبي مع أصحابه وأن الشاعر لم يكن في ذلك الوقت مريضاً بل كان في صحة جيدة وأن هذه الرؤيا هي التي أوحت إليه بنظم مدائحه في الرسول كالمضرية والهمزية ولم يذكر شيئاً عن البردة. وقد سبق لنا أن عرفنا أن البوصيري لم ينظم من المدائح النبوية قبل الحج سوى قصائد أربعة منها قصيدة (تقديس الحرم من تدنيس الضرم) ومنها (المخرج والمردود على النصارى واليهود). وسبق أن تتبعنا الظروف التي نظم فيها البوصيري قصائده النبوية الأخرى.
ولا نجد الشاعر قد أشار في همزيته إلى تلك الرؤيا التي تحدثنا عنها تلك الرواية فليس من العسير علينا بعد ذلك أن ننفي هذه القصة.
ثم استطرد الرواة فذكروا أن البوصيري قال (أصابني خلط فالج فأبطل نصفي وقطعني عن الحركة ففكرت أن أعمل قصيدة مشتعلة على مدائح النبي صلى الله عليه وسلم واستشفى بها من الله تعالى. فأنشدت هذه القصيدة ونمت فرأيت النبي عليه الصلاة والسلام في المنام فمسح بيده الكريمة على أعضاء الحقير فقمت من المنام ملابساً بالعافية من الآلام.)
وهذه القصة لا تذكر لنا أن البوصيري قال بأن النبي كان يتمايل عجباً حين سماعه للبردة، ولا أنه قال إن النبي ألقى عليه بردة. ومضى الراوي يحدث عن البوصيري أنه قال: