الذي يحمل أعباء يومه الحاضر، لا يحتاج إلى عدل يودع فيه همومه).
وترك الرجل ثقله وراءه، وانطلق لسبيله مبتهجاً قريراً.
هذا ولقد ثبت بالدليل المقنع، إن السعادة لا تستفيض في حياتنا إلا إذا كنا ننهض ذواتنا، لكي نحيا ليومنا الراهن فقط وننسى أخطاء الأمس ومنغصاته، ونعقد النية على أن نرجو أن يكون نصيب الغد من التوفيق والهناء أوفى وأرقى، وعلى أن نبذل ليومنا الران خير ما نملك من جهد وطاقة. ولله در من استعرض هذه الحكمة الرائعة، حين قال:(علينا أن نرجو الأحسن، ونتأهب للأسواء، ونتقبل كل ما يعرض لنا، في حلم راجح وخلق وادع، وصدر رحب، ووجه طليق، وحنان وقر).
ولقد قيل إن الهموم صنفان: صنف يسير قريب المنزع مذلل الأغصان. وصنف لا تبلغ إليه وسيلة، ولا يقع في حباله أمل فلا تناله حيلة محتال. ولا مرية في أنه يجدر بنا أن نصلح الأمور التي يمكن أن نرتاد لها نواحي الترصين والتجويد - وأن تحسم الأدواء التي يمكن أن ننفض لها سبل العلاج - وأن نتطلب الذرائع لكل معضل ممتنع وكؤود معجز. ومن اليسير أن يعرون ضرب من القلق والخوف، حين نعجز عن استخراج ودائع الغيوب، والنظر إلى المستقبل من وراء ستر رقيق، لنطالبه بعين السداد والتوفيق. بل إن من اليسير إن يهن منا العزم حين تخذلنا القدرة على وضع الخطط اللازمة لمآتي أيامنا. ولكن الله تعالى شأنه، كفيل بأن يوجه خطانا إن سلمنا له جميع طرقنا. . .
ترى هل خطر لنا أن نقف لحظة، ونستعرض الهموم التي رزحنا تحت أثقالها في بعض أيامنا، ثم أدركنا من بعد، ما كان يزاملها من سخافة وتفاهة، وسقم وغبانة؟! أعرف طالباً جامعيناً سويسرياً، ابتلي (بعادة القلق وحمل الهموم) وأبهظته هذه العادة الآسرة الفادحة، فرأى أن يأخذ العدة لمحاربتها والقضاء عليها. وما إن روي قليلا في الآلات التي ينبغي أن يستعين بها للانتصاب في هذه الحرب المقدسة، حتى هداه تفكيره إلىاستحضار كراسة، يعمد إليها في مستهل الشهر، ليدون فيها أنواع الهموم، التي يثيرها القلق في تقديره، ويسبقها التخمين إلى حسه، ويغريه التكهن بانتظار وقوعها، في الأسابيع الأربعة المقبلة. . . ثم يعود إليها في آخر الشهر، ويرى هل صدق في دائرة الواقع العملي شيء من هذه المظنات التي زاملته من قبل. . . وأقضت مضجعه!!