وكان في مقدمة الأمور التي تروثه هماً ملحاً - افتقاره إلى سروال من الفانلا البيضاء، ليلبسه في رحلة ريفية احتفاء بمقدم الربيع، وأيقن أنه سيكون الشخص الوحيد الذي سيظهر في الحفلة - دون رفاقه بغير هذا السروال. وإلى جانب هذا الهم أرهقه هم آخر لا يقل عنه خطراً وإلحاحا. وذلكلأن عميد الكلية طلي إليه أن يتولى افتتاح اجتماع الرابطة الأدبية في مساء يوم الخميس المقبل، وطارت نفسه شعاعاً لهذا الطلب وهتك الخوف قميص قلبه،. . . وماذا عساء أن يقول في مثل هذا الاجتماع المهيب - ولم يتعود أن يتعلى المنابر - وأيقن أنه سيبيت بين رفاقه الطلاب - أضحوكة من الأضاحيك - وقد دفع في صدره العجز، وملكت الركاكة خطامه. . . وكان هذان الهمان أبرز ما في المجموعة التي سجلها في يوميات كراسته. وفي نهاية الشهر رجع الفتى إلى يومياته فما تمالك أن ضحك، وضحك حتى أغرب إذ ذكر أن نصف عدد رفاقه الطلاب، لم يظهروا في حفلة الربيع بسراويل بيضاء. ولقد هبت زوبعة شديدة يوم ذاك، وندم الذين كانوا يرتدون السراويل البيضاء لأنهم لم يختاروا سواها. ثم ذكر أن العميد انتحى به في الليلة السابقة للاجتماع العهود وأخبره أن سائحا من كبار الأدباء سيتحدث إلى الجماعة في المساء المقبل، وأن خطبته من ثم يجب أن تؤخر إلى أجل غير مسمى. وعلى هذا النحو كان نصيب غالبية الأمور التي سجلها ف كراسته، وربك ذاته بالاهتمام لها.
ولعله يحسن بالكثيرين منا أن نعد لذواننا مثل هذه الكراسة. وما الذي يمنع من أن نجري على أسلوب ذلك الطالب المجتهد ونأخذ أخذه؟!
تقول الكاتبة الموهوبة (الن. ج. هوايت) إن القلق أعمى، ويمكن أن يتبين المستقبل ويوضح معالمه ويستجلي رسومه. ولكن الله سبحانه وتعالى يرى النهاية من البداية، ويرصد الهبة لكل صعوبة! ويهيأ لكل ضيقة مخرجاً ومفرجاً!!
ويقول فاضل من أعلام الأدباء الاجتماعين العاملين في الغرب: إن القلق (أو حمل الهموم) يشبه الرمل الذي يتسرب إلى الزيت في سيارتك وكما يبلى الرمل آلاتها وأجزاءها، كذلك يستهلك الهم عناصر حيويتك شيئاً فشيئاً ويفنيها. بل إن القلق يشبه الصدأ الذي يأكل على الولاء بعض أجهزة المصنع في إصرار بطئ ولا يلبث أن يحدث تحت ضرب من ضروب الضغط صدعاً شديداً بل انقصاما أكبراً بل انفجاراً هائلا يجر في كثير من الأحيان