القريب) وهو يذهب بذلك إلى أن اهتمامنا بالأدب العربي غير المصري موجه إلى تذوقه كثمرة لغوية دون أن نحس بما يعبر عنه أو ننفعل بما يصوره، كأننا غرباء في الإحساس عن أهله!
والواقع أننا نحس الإحساس العربي العام ونشعر بالمشاركة والوجدانية لأولئك الأدباء المتقدمين الذين عاشوا في العراق والشام وغيرهما، ولا يقل شعورنا بهذه المشاركة عن شعورنا نحو أدباء مصر الذين عاصروا الدول الإسلامية التي قامت بها، بل أنا أعزم أن المشاركة الوجداني في أدب الأولين أكثر منها في أدب الاخرين، لأن هؤلاء كانت تستهلك الزخارف اللفظية طاقاتهم ويشغلهم التكلف عن صدق التعبير والنفوذ إلى الأعماق
فالأدب العربي، قديما وحديثا، ليسأدب لغة مشتركة فقط، بل هو أيضاً أدب أمة هي الأمة العربية. ولا أنكر الفوارق والسمات الاقليمية، ولكن الروح العام يصهرها جميعاً في بوتقة العروبة.
فالأدب المصري - كما أرى واشعر - جزء من كل، لا ينبغي له أكثر مما ينبغي لأي جزء آخر.
كما أنه يجب الاهتمام به مثل غيره. والحق أنه لم يكن معنيا به مثل غيره، ولكن الحق أيضاً أن ذلك لم يكن سببه أن مقياس الجودة (العروبة) كما يقول الدكتور عبد الحميد، وإنما هو راجع إلى أن النهضة الأدبية الحديثة قامت على أسس منها الرجوع إلى أدب المتقدمين للخروج من ركاكة العصور المتأخرة وهزال آدابها، فاتجهت حركة الإحياء إلى الآداب الأولي التي كانت قبل التكلف والركة، وخاصة آداب العصور الزاهرة كالعصر العباسي في بغداد.
وتصور أي مهزلة تكون لو قامت الآن في العراق مثلا حركة أدبية ترمي إلى الإعراض عن الأدب العربي الحديث في مصر، لأن الأدب العراقي في هذا العصر أولى بالعناية منه! أليس هذا كذاك؟
على أن الفكرة العربية العامة أدنى إلىالفكرة العالمية في الأدب والفن، فهل يريد هؤلاء المواطنون أن ننطوي على أنفسنا أدبيا ونتخلف عن ركب العالم؟ أو يريدون أن نزيح العروبة جانبا ونمشي في الركب. . .؟