نصر للمسلمين على المرتدين، ومنها تظهر فراسة أبي بكر وصلابة عوده.
لا بد أن القارئ انتبه إلى فساد خطة القبائل في محاولتهم غزو المدينة، إذ بدلاً من أن يجتمعوا في محل واحد للهجوم على المدينة أو أن يقاوموا جيش المسلمين معاً اجتمعت كل قبيلة في حيها، فاجتمع بنو أسد في السميراء، وفزارة في طيبة، وجديلة وغوث في طيء في جبليهما، وذبيان وعبس اجتمعت فرقة منهما بالقرب من الربذة والأخرى في ذي القصة والبقعاء.
والداعي لتفرقهم على ما يظهر أن المياه في كل محل من تلك المحلات لم تكن كافية لإرواء جماعة كبيرة، وكان الكلأ قليلاً فضلاً عن صعوبة اجتماع كلمة القبائل على غاية واحدة.
وكان قبل ذلك حلف بين بني أسد وغطفان وطيء، بيد أن قتالاً وقع بين غطفان وبني أسد من جهة وطيء من جهة أخرى فأمست القبائل متخاصمة. وكذلك كلمة طيء لم تكن مجتمعة فمال إلى المرتدين فرقتان منها فقط، وهما جديلة وغوث. أما الفرق الأخرى فبقيت على إسلامها. وكانت القبائل في قيامها على المدينة يراقب بعضها بعضاً، ولا تريد أن تكون البادئة بالعداء، ذلك ما جعل كلا منها يبقى في حيه ويراقب عمل الآخر
وقد اختبر الصديق حالة القبائل وتأكد أن كلمتها لم تجتمع، لذلك لم يشأ أن يؤخر جيش أسامة عن سفره، واكتفى برجال المدينة والموالين من القبائل القريبة منها وقد أيدت الوقائع رأيه. وبعد انتصار أبي بكر على القبائل في البقعاء قفل راجعاً إلى المدينة، ولما شاع خبر انتصار المسلمين على أهل الردة في أول قتالهم أخذت الصدقات تأتي من الأطراف بعد أن تردد أهلها في إرسالها، فوردت صدقات عدي بن حاتم من طيء وصدقات أخرى
وبعد مدة قصيرة عاد جيش أسامة من الشمال، فقرت به أعين المسلمين فلم يمهل أبو بكر المرتدين بعد أن بلغه أن بني عبس وذبيان أوقعت بمن فيها من المسلمين ومثلت بهم، وبعد وقعة ذي القصة أراد أن يفني من في الأبرق فأراح جيش أسامة بضعة أيام وخرج بالقوة التي سار بها إلى ذي القصة بعد أن أنجدها بالناس من جيش أسامة وتوجه نحو الأبرق، وفيه الفرقة الثانية من بني عبس وذبيان وبني كلاب وغيرهم
وقد ناشده كبار الصابة بألا يعرض نفسه للخطر بقيادة الجيش بنفسه إلا أنه لم يجب طلبهم.