وحفظها أتباع الطريقة الشاذلية وصاروا ينشدونها في الأذكار.
قيمتها الأدبية:
لا جدال في أن البردة من أروع القصائد التي قيلت في مدح الرسول. فهي قوية في أسلوبها غنية بالحكم الخالدة والتشبيهات الرائعة والاستعارات اللطيفة والمعاني التي عجز الشعراء عن الإتيان بمثلها والتي ضمنت للبوصيري ذيوع الاسم وخلو الذكر. وقد اقتبس الشعراء الذين جاءوا بعده كثيرا من المعاني الواردة في البردة. ومثال ذلك قوله:
فإن لي ذمة منه بتسميتي ... محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
فأخذ هذا المعنى شعراء كثيرون منهم أحمد شوقي حيث يقول:
يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي ... وكيف لا يتسامى بالرسول سمي
وقال:
لا طيب يعدل ترباً ضم أعظمه ... طوبى لمنتشق منه وملتثم
فتداوله كثيرون ومن ذلك وقول أحدهم:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
وقد أجاد البوصيري إجادة تامة في قوله:
كفاك بالعلم في الأمي معجزة ... في الجاهلية والتأديب في اليتم
في حين أن شوقي لم يجد في قوله:
ذكرت باليتم في القرآن تكرمة ... وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم
ولم يلحق بالبوصيري حين قال:
يا أيها الأمي حسبك رتبة ... في العلم أن دانت بك العلماء
ولم ينتفع الشعراء بمعاني البوصيري في هذه القصيدة فقط، بل انتفعوا بأسلوبه وأغاروا على طريقته ونقلوا كثيرا من عباراته. ولعل هذا يرجع إلى مظهر القداسة التي أحيطت به هذه القصيدة وإلى الإجادة التامة التي وفق إليها البوصيري في البردة. وما أصدق أحمد شوقي حين يقوله:
المادحون وأرباب الهوى تبع ... لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم
مديحه فيك حب خالص وهوى ... وصادق الحب يملي صادق الكلم