ولا تخلو مكتبة في أوربا من شروح للبردة وتخاميس لها.
كيف اشتهرت البردة؟
أنت تعلم أن البوصيري من أصل مغربي، وأنه قضى بقية عمره في الإسكندرية مندمجاً في سلك أبي العباس المرسي، مجتهداً في نشر الدعوة للطريقة الشاذلية.
وقد كانت الإسكندرية في ذلك الوقت محط رجال كثير من المغاربة الذين كانوا يفدون عليها ويجدون من سذاجة الناس ما يشجعهم على الاشتغال بالنصب والاحتيال وادعائهم رؤية الطوال وعلم الغيب والقدرة على جلب الثروة وكشف المخبأ من الكنوز وغير ذلك من ضروب الغش التي استحلوا بها أموال الناس.
وطفق هؤلاء المغاربة بعد زوال الدولة الفاطمية يعملون على الاحتفاظ بمكانتهم الأدبية ومستواهم المادي الذي كانوا عليه أيام الفاطميين، وهكذا رأينا أقطابا من أصل مغربي يظهرون فجأة وتوضع لهم المناقب وتخترع لهم الكرامات ومن هؤلاء الأقطاب أبو الحسن الشاذلي فقد قال فيه أنصاره ما لم يقل مثله في أكبر الصحابة والتابعين. ورأى هؤلاء المغاربة أن يكثروا من عدداً لأقطاب طمعا في الثروة وجلبا للكسب فألفوا حول أبي العباس المرسي مثل ما ألفوا حول أستاذه الشاذلي، ثم ألفوا حول البوصيري المغربي الأصل مناقب كثيرة ولقبوه بالإمام وأقاموا له ضريحاً. وهكذا أخذت أضرحة الأقطاب المغاربة تكثر يوما بعد يوم فرأينا إبراهيم الدسوقي في دسوق، وأحمد البدوي في طنطا، وعبد الرحيم القنائي في قنا، يوسف أبا الحجاج في الأقصر. وأخذ المصريون يحملون إليها النذور ويقدمون لها القرابين ويتوسلون بها في قضاء الحاجات. وبهذا اغتنى القائمون على هذه الأضرحة وكلهم من أصل مغربي، واستحلوا أموال الناس يأكلونها بالباطل ولم يتورعوا عن استغلال الطرق المزرية وارتكاب المخازي والقبائح مع ضحاياهم ليستولوا بذلك على الأموال الطائلة. وأعانهم على ذلك جهل العام وعدم وجود حكومات تضرب على أيديهم.
وأتخذ المغاربة من (البردة) مجالا لنشاطهم، ووضعوا لها المناقب والفضائل، واحتكروا نسخها وتأجيرها وبيعها وشرحها وتفسيرها، كما كتبوا في خصائص كل بيت من أبياتها.