الفكرية، وحامل أختام الشرق والغرب، من منا سمحت له نفسه أن يطأ الحرم الجامعي قبل أن يكون قد قرأه في كل ما دبج وكتب، وسمعه في كل ما أذاع وخطب، طه. . الذي حطم حواجز الجمود بثورة الفكر، وقوة المنطق، وإيمان المناضل، فينقب عن امرئ القيس، ويتعقب أبا العلاء في محابسه، ويشك مه ديكارت، ويتفلسف مع أبن خلدون، ويتأمل مع يول فاليري، ويترجم لأرسطاليس.
طه. . . الذي توسط عقدا يتلألأ بأحمد أمين، ومصطفى عبد الرازق، وعبد الوهاب عزام، وعبد الحميد العبادي، ومحمد عوض محمد، وكراوس وشاخت ولالاند، فتتسع المدارك، وينجلي التراث، وإذا بالعالم كله فراشات تحوم حول الأشعة الفضية، تزجيها إلى الدنيا شمس قدسها (إخناتون) وضفر منها عصابة (ابن العاص)
طه. . . عميد الآداب، الذي تقصده أم طالب في الزراعة، أرملة ترجوه أن يسعى لها لإعفاء ابنها من الرسوم الجامعية، ولكن اللائحة تصد طه، فيضع سماعة التلفون ويهنئ الأم بمجانية الابن، فتخرج له داعية بالخير، وإذا به يرسل سكرتيره على الفور ليدفع للزراعة ما أخرجه عميد الآداب من جيبه الخاص حتى لا يشعر الأرملة بجرح على جراح.
وأحمد أمين القاضي العادل، والمربي الفاضل، وتلميذ عاطف بركات، وسليل القضاء الشرعي، استقصى حياة الفكر في الإسلام من فجره إلى عصره، وبعث في الشباب الأحرار روح البحث عن الماضي، فتضوع كالعطر بين عطفيه، وانبثق كالماء من بين أصابعه وفلسف الأدب، وأدب الفلسفة.
هذا العميد الفنان الذي ملأ السمع بعذب حديثه، وزاخر علمه، لم يكن يرفض على جلال سنه دعوة إلى موسيقى بنادي كلية الآداب، ولا يضيق صدره الرحب بمعارضة من أبنائه الطلبة في مناظرة، وثغره يبتسم حتى يبدو ناجذاه، إذ يحاكيه أحد طلابه في حفل سامر.
وعبد الوهاب عزام يدرس الأدب الفارسي والتركي، ويشرف على أسرة الشعر، ويدعو سكرتيرها - كاتب هذه السطور - إلى بيته بالروضة ليعرض عليه برنامج الليلة الكبرى لمباريات الشعر بين الطلبة والخريجين، فيقول لهم فيما يقول:
(أبنائي الشعراء، كونوا شعراء عرباً، أو عرباً شعراء)