أما بيته فهو - والحق يقال - (بيت من الشعر لا بيت من الشعر) إذ زينت جدرانه برسوم من رمال وجمال، وبصورة العروبة في محافلها ومحاملها، ومنها يستوحي التواليف التي جادت بها قريحته من ترجمة (الشاهنامه) للفردوسي، وتاريخ (مجالس السلطان الغوري) وغير ذلك وذاك.
وكنا طلاب فلسفة، فكيف ندع فرصة في حياتنا الجامعية دون أن ننتهزها؟. . لم يكن يهون علينا أن نتخرج قبل أن ننهل من كل الينابيع، وإن اختلفت شراباً ومذاقاً.
استمعنا إلى الخولي في البلاغة وأدب القرآن. وإلى غربال في الثورة الفرنسية، وإلى العبادي في التاريخ الحديث، وإلى مندوري في أساطير الإغريق، وإلى مصطفى عبد الرازق في الفلسفة الإسلامية، وإلى عفيفي في التصوف والمنطق والأخلاق، وإلى غالي في فلسفة الذرة.
وانتزعنا من الأزهر الملازم الصفراء، وانغمسنا في المخطوطات وتهنا بين الحواشي والمتون، ودرسنا مع الشيخ مصطفى عبد الرازق (صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام) للسيوطي وإن كانت حلقة في الدرس من أساتذتنا وطلبة الدكتوراه ولكن كيف يفوتنا درس الشيخ، مع أننا كنا لا نزال بالسنة الثانية من قسم الليسانس، وكيف لا تلتقي ثلاثة أجيال في ساعة. أنه العلم الجامع في رحبة الجامعة.
ونشهد أول درس في معهد الصحافة يفتتحه به الأديب الصحافي طه حسين. .
ونتعلم الألمانية على يدي (فراو يزج) التي كانت تقول لنا وهي العجوز الشمطاء (انطقوا بالألمانية كما تنطق المدافع بالقذائف.
ونقيم حفلاً فلسفياً يحضره القدامى والمخضرمون والمحدثون من الفلاسفة والمتفلسفين جميعاً، فيقف لطفي السيد ليقول كلمة في ذات موضوع، ويتحدث منصور فهمي عن مشخصات الفن وفلسفة الجمال، ويتكلم مظهر سعيد عن الفلسفة الكذابة.
ويحاضرنا مدكور وهو أستاذ الفلسفة وعضو مجلس الشيوخ ونخرج في الحديث معه عن (جدول الأعمال)، ونعالج مشاكل المجتمع، وليس في ذلك أدنى مخالفة للائحة المجلس والجامعة.
ونعقد مناظرة حول حق الطالب الجامعي في الاشتغال فأقول فيها مؤيداً ومرتجلاً: (أيها