اليوم مع تخاذل في بعض الأنحاء اقتضته الظروف والأحوال الحاضرة.
وكل ذلك يرجع إلى سياسة بني أمية الحازمة، وعلى الأخص سياسة هشام بن عبد الملك وأخيه مسلمة وأبن أخيه مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين.
وفي هذه المرة استطاع مسلمة بن عبد الملك أن يبسط سلطان الإسلام في هذه الربوع، فأكمل فتح أنحاء الداغستان، ولم تأت سنة ١١٥هـ حتى كان سلطان الإسلام باسطاً جناحيه في كل قرية ومدينة، وحتى انتشر الدعاة والحكام والأمراء المسلمون يعلمون ويرشدون، ويبنون المساجد، ويقيمون منارات الدين والهدى في كل مكان.
ومن ذلك التاريخ أصبح هذا الإقليم إسلامياً يدين بالإسلام، ويخلص له، وأصبحت مدينة، (دربند) أو (باب الأبواب) ثغراً من ثغور المسلمين يرابط فيه في سيبل الله.
ولذلك لم تخرج هذه البلاد على العرب يوم شغلوا عنها بحروبهم الأهلية التي نقلت الملك إلى بني العباس، بل بقيت في أيديهم إلى ظهور السلاجقة.
وإذا كان سلطان العرب السياسي قد انكمش عن هذه البلاد بعد ذلك، فإن أهل البلاد حافظوا في جميع الأدوار التي مرت بهم وفي عصور جميع الفاتحين والغزاة لبلادهم بعد ذلك وإلى أن وقعت في أيدي الروسيين في أوائل القرن التاسع عسر - حافظوا بأمانة وإخلاص في جميع تلك الأدوار على شيء من استقلالهم الداخلي، ودينهم الجديد، وتقاليدهم الموروثة، وحافظوا على التفاهم باللغة العربية محافظة غريبة لا نعهدها في غير هذه البلاد. يدلك على ذلك أن اللغة العربية لا تزال إلى اليوم لغة التدريس والتأليف والتفاهم بين علماء الداغستان والطلبة، وهم يتكلمون ويكتبون بها كأبنائها، ولهم فيها مجلة شهرية تعنى بنشر الدين والأدب ينشرها الكاتب الشهير أبو سفيان.