القلعة، فلما فتحها وغيرها من القلاع الحصينة أخذ يتقدم في البلاد ويحتلها إلى أن تم له فتحها كلها، فعاد إلى (باب الأبواب) بجيشه الذي استصحبه معه من الشام، وكان عدده أربعة وعشرين ألفاً، فأسكنهم المدينة المذكورة على العطاء ثم احتل مواقع أخرى هامة، وقبض على البلاد بيد من حديد.
وفي سنة ١١٨هـ وجه هشام بن عبد الملك قائداً جديداً إلى هذه البلاد وهو أسد بن زعفر، فثبت ملك العرب وقوى سلطان المسلمين، وفي عصر الوليد بن يزيد بن عبد الملك أرسل الوليد إلى هذه البلاد مروان بن محمد - آخر الخلفاء الأمويين - على رأس جيش كبير، فكان أكبر مساعد على تثبيت مركز الإسلام، ودعم أسس الدولة الإسلامية العربية في تلك الربوع إذ لم يكن أقل من عمه مسلمة ثباتاً وعزماً وبعد نظر، فواقع الخزر، وأبلى بلاء حسناً، ولما أنصرف مسلمة إلى الشام بعد ذلك بقي مروان في أراضي (باب الأبواب) يتعهد ثغورها وأحوالها، ويوطد السلطان العربي الإسلامي فيها حتى أقر له القريب من القبائل وملوكهم والبعيد، وهابته الخزر وأخذت تتودد إليه، وتؤدي له الطاعة والجزية.
قال البلاذري: أنه لما بلغ عظيم الخزر كثرة من وطئ به مروان بلاده من الرجال، وما هم عليه في عدتهم وقوتهم نخب ذلك قلبه، وملأه رعباً، فلما دنا منه أرسل إليه رسولاً يدعوه إلى الإسلام أو الحرب، فقال: قد قبلت الإسلام فأرسل إلي من يعرضه عليّ، ففعل، فأظهر الإسلام، ووادع مروان، فأقره في مملكته، وسار مروان معه بخلق من الخزر، فأنزلهم ما بين السمور والشابران في سهل أهل (اللكز)، ثم دخل مروان أرض صاحب السرير، فأوقع بأهلها وفتح فيها قلاعاً، ودان ملك السرير وأطاعه، فصالحه على ألف رأس وخمسمائة غلام وخمسمائة جارية سود الشعور والحواجب وهدب إلأشفار في كل سنة، وعلى مائة ألف مد تصب في أهراء (الباب) وأخذ منه الرهن.
وهكذا كان يصنع مع جميع ملوك الجبل وما وراءه، فكان يحملهم على الصلح وتأدية الجزية، ثم يقرهم على ملكهم، فكان من نتائج هذه السياسة الحكيمة في تلك البلاد أن رسخت قدم العرب فيها، وانتشر فيها دينهم بسرعة عجيبة حتى لم يبق للأديان القديمة التي سبقته أثر يذكر، وانتشرت مع الإسلام لغته العربية، فأصبحت بعد قليل من الزمن لغة الكتابة والتعليم والتفاهم بين أهل الجبل المختلفي اللغات واللهجات، وهي لا تزال كذلك إلى