التي لم تظهر فيها العناية بالمواليد والوفيات على أساس ثابت، كما هو الشأن عند الدول المتحضرة الآن. ثم أن التاريخ - فيما يبدو - كان أرستقراطياً لا يحفل كثيراً بغير الملوك والأمراء؛ فإذا ولد هذا الطفل أو ذاك من عامة الشعب لا يعيره أدنى التفاتة، ولكن إذا قدر لهذا الطفل أن يكون في مستقبل أيامه وزيراً خطيراً، أو عالماً كبيراً أو أديباً مشهوراً. . . فهنا يقف التاريخ في أرستقراطيته الساذجة، ويعير هذا الرجل شيئاً من عنايته؛ من هنا يجد الباحثون صعوبة ومشقة في تحقيق تراجم كثير من الأدباء والعلماء ودراسة آثارهم الأدبية والعلمية، فهم يجدون دائماًِ حلقة أو حلقات مفقودة، كم يودون لو عثروا عليها فتنير أمامهم الطريق.
وهكذا نجد التراجم قد سلكت عن مولد هذا الشاعر وطفولته ونشأته، وبيئته الأولى وفجأة يقفز إلى الوجود طباخاً في قصر سيف الدولة، أو شاعراً من وراء والده أي الهيجاء. وحتى هذا الذي ذكروه بحاجة إلى الوقوف عنده، فنحن نستطيع أن نفهم أن كشاجم حين يكون طباخاً لسيف الدولة ولا يأتي ذكره في شعره ربما يكون ذلك معقولاً، أما أن يكون شاعراً لأبي الهيجاء بينما لم يزد ذكر لأبي الهيجاء هذا ولو في قصيدة واحدة من شعر شاعره فهذا هو الذي لا نستطيع أن نسيغه!!
ومع هذا فالباحث لا يصح أن يقف مكتوفاً أمام هذه الصعاب، وإنما يجب أن يعمل عقله في النصوص التي بين يديه عساه أن يخرج منها بشيء مما ذكروه مشوهاً، أو أغفلوا ذكره إغفالاً.
فهذا ديوان الشاعر يحدثنا أنه مدح علي بن سليمان الأخفش النحوي، ويصفه بأنه أستاذه، وأنه قد تخرج عليه، ويحدثنا ياقوت في معجمه أن هذا الأخفش مات في شعبان سنة ٣١٥هـ والعني هذا أن كشاجم كان قد جاوز مرحلة الطفولة، ثم مرحلة الأولى - على الأقل - قبل هذا التاريخ، وإلى جانب هذا تراه يرثي محمد بن عبد الملك الهاشمي المتوفى سنة ٣١٢هـ، وهذا معناه كما قلنا أن كشاجم لم يكن في سن الطفولة الأولى إذ ذاك وأنه كان على الأقل في الحلقة الثانية من عمره، وهذا كله يقوى عندنا الظن بأن مولده كان في أواخر القرن الثالث الهجري، وإذا كان قد رجح في نظرنا ذاك الرأي القائل بان وفاته كانت ٣٦٠هـ فمعنى هذا أن حياة كشاجم أربت على الستين، وهذا ما يؤيده ذكره للشيب