للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- ٢ -

ولد كشاجم بالرملة في فلسطين، وتاريخ ميلاده في غاية الغموض، إذا لم يحدده مرجع واحد من المراجع التي بأيدينا، كما أن طفولته ونشأته كذلك غامضة إلى حد كبير، ولا نعلم شيئاً ذا بال عن أسرة الشاعر، وهي بيئته الأولى التي ترعرع فيها، والتي أرضعته وغذته حتى تكون خلقاً سوياً جمع، ولاشك، في طوايا نفسه كثيراً آثار هذه البيئة الخاصة التي نشأ فيها أول ما نشأ، وهذه معلومات لا يستهان بها، وقد كانت حرية أن تسهل علينا مهمة الدرس والتحقيق، ولكن مما يؤسف له حقاً أن الرجل لم يجد عناية من كثير من المؤرخين، وأصحاب التراجم، ومن ترجم له منهم جاءت ترجمته مقتضبة كل الاقتضاب، ولا تلقي على حياة الشاعر إلا أضواء باهتة، لا تصور النواحي الهامة من حياته، وليس من شأنها أن تساعد على تصويرها تصويراً دقيقاً، ومع هذا فالباحث لا يسعه إلا أن يحاول الانتفاع بهذه الأشعة ثم يحاول بعد هذا أن يسد ذلك النقص بشيء من الأناة والصبر، وتعمق النصوص واستبطانها.

- ٣ -

وإذا كان مترجموه قد أهملوا سنة ميلاده، فقد اضطربوا في سنة وفاته بين: سنة ٣٦٠، سنة ٣٥٠، سنة ٣٣٠هـ، ولعل أضعف هذه الآراء هو الرأي الأخير، لما ذكره من تعرضوا لترجمته من أنه كان طباخاُ لسيف الدولة الذي لم يظهر على مسرح السياسة قبل هذا التاريخ، أما الرأيان الأولان فقد يصعب الترجيح بينهما وهما على كل حال متقاربان إلى حد ما، ولكن قد وردت في ديوان كشاجم إشارة عابرة فيها تعريض بكافور الإخشيدي حين يهجو غلاماً له أسمه كافور:

حكيت سميك في برده ... وأخطأك اللون والرائحة

فإذا صح أن هذا التعريض حصل في إثناء ولاية كافور (٥٥ - ٥٧هـ) فقد يكون في هذا الاحتمال ما يستأنس به في ترجيح الرأي، وهو أن وفاة كشاجم كانت سنة ٣٦٠هـ. هذا عن وفاته، أما مولده فقد سبق أن قلنا أن أحداً من المراجع لم يلق ضوءاً عليه، وهذه الظاهرة - ظاهرة عدم الاهتمام بتاريخ الميلاد - كانت شائعة في هذه العصور القديمة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>