فإننا نراه يتحدث عن اللاشعور ووحيد الشعور وشبه الشعور والشعور أو العقل الباطن والعقل الواعي كأجزاء للعقل. يقول في الباطن الجزء الأول من أحياء علوم الدين في بيان حقيقة العقل وأقسامه.
(أعلم أن الناس اختلفوا في حد العقل وحقيقته وذهل الأكثرون عن كون هذا الاسم مطلقاً على معان مختلفة فصار ذلك سبب اختلافهم. والحق الكاشف للغطاء فيه أن العقل اسم يطلق بالاشتراك على أربعة معان كما يطلق اسم العين ثملاً على معان عدة وما يجري هذا المجري فلا ينبغي أن يطلب الجميع أقسامه حد واحد بل يفرد كل قسم بالكشف عنه (فالأول) الوصف الذي يقارن الإنسان به سائر البهائم، وهو الذي استعد به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية وهو الذي أراده الحرث أبن أسد المحاسبي حيث قال في حد العقل أنه غريزة يتهيأ بها أدراك العلوم النظرية وكأنه نور يقذف في القلب يستعد لإدراك الأشياء (والثاني) العلوم التي تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز بجواز الجائرات واستحالة المستحيلات كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد وأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد (والثالث) هو انتهاء قوة الغريزة إلى حد معرفة عواقب الأمور وقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة وقهرها. وهو الأسس والمنبع، والثاني هو النوع الأقرب إليه، والثالث فرع الأول والثاني والرابع هو الثمرة الأخيرة والغاية القصوى. والأولان بالطبع والأخيران بالاكتساب. ولذلك قال علي كرم الله وجهه
رأيت العقل عقلين ... فمطبوع ومسموع
ولا ينفع مسموع ... إذا لم يك مبطوع
كما لا تنفع الشمس ... وضوء العين ممنوع
نرى الغزالي في هذا القول قد رتب صفات العقل ترتيباً بديعاً وافق ترتيب علم النفس الحديث موافقة تامة. فقد جعل القسم الأول والثاني من أقسام معاني العقل يقابلان اللاشعور ووحيد الشعور. وقد وصفها بأنها الأسس والمنبع المتكونان بالطبع، أو هما العقل المطبوع الذي يقابل ما يسميه علم النفس الحديث بالعقل الباطن. وجعل القسم الثالث والرابع في مقابل شبه الشعور والشعور فقد وصفها بالثمرة الأخيرة والغاية القصوى للمعرفة التي تأتي