بالاكتساب، أو هما العقل المسموع الذي يقابل ما يسميه العلم الحديث بالعقل الواعي. وواضح من تقسيم الغزالي العقل أنه يعتبر العقل هو المعرفة المتكيفة التامة، ولهذا بدأ في تقسيمه بأول درجات المعرفة وهي المعرفة الغريزية ثم ارتقى منها إلى ما بعدها من المعرفة المكتسبة. وقد أشبه الغزالي في تقسيمه هذا بعض المعاصرين في تقسيمهم العقل إلى أربعة عقول وهي العقل الحيواني والعقل الإنساني الهمجي والعقل الثقافي القديم والعقل الثقافي الحديث.
وننتقل الآن بعد الذي قدمناه عن العقل عند الغزالي إلى الأجزاء التي يتألف منها كل قسم من الأقسام الأربعة للعقل وهي في نظر الغزالي ثلاثة:(العلم والحال والعمل. فالشعور واللاشعور بل كل عملية عقلية تتكون عند الغزالي من هذه الأجزاء الثلاثة. وهذا ينطبق تمام الانطباق على ما يقوله علماء النفس المعاصرون في هذا (الموضوع يقولون: أن الشعور أو اللاشعور بل كل عملية عقلية تتألف من ثلاثة مظاهر أساسية وهي الإدراك أو المعرفة، أو الوجدان والعاطفة؛ والنزوع أو المحاولة، فالإدراك هو مجرد علمك بما في نفسك من الخواطر أو بما يحيط بك من الأشياء من غير أن تنفعل أو تتأثر. والوجدان هو ما تجده في نفسك من لذة أو ألم يصحب الإدراك أو النزوع. والنزوع هو محاولة أو جهد يبذله الإنسان ليستديم الارتياح الذي وجده أو يبعد عما شعر به من ألم وضيق.
نرى في هذه المقابلة توافقاً تاماً بين تحليل الغزالي للعملية العقلية التي يتألف منها كل قسم من أقسام العقل والتحليل الحديث.
فالعلم عند الغزالي هو الإدراك أو المعرفة. والحال عنده هو الوجدان أو العاطفة أي الحال الذي كون عليه المتأثر المنفعل بعاطفته ووجدانه. والعمل عند الغزالي هو النزوع والمحاولة.
وننتقل بعد هذه المقابلة بين أجزاء العلمية العقلية التي يتألف منها الشعور واللاشعور عند الغزالي وعلم النفس الحديث إلى الجزء الأول من أجزاء هذه العملية العقلية وهو (العلم) أو المعرفة أو الإدراك لنرى ما عند الغزالي في هذا الموضوع فنقابله بما عند علم النفس عنه.