الجبال تصوره للعين هذه الأمواج الضخمة، وتصوره في الوقت نفسه ما كان يحس به ركاب السفينة هذه وهم يشاهدون هذه الأمواج من رهبة وجلال معاً كما يحس بهما من يقف أمام شامخ الجبال. وقوله تعالى يصف الجبال يوم القيامة:(وتكون كالعهن المنفوش) فالعهن المنفوش يصور أمامك منظر هذه الجبال، وقد صارت هشه لا تتماسك أجزاؤها، ويحمل إلى نفسك معنى خفتها ولينها. وقوله تعالى (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) فهذا القمر بهجة السماء وملك الليل، لا يزال ينتقل في منازله حتى يصبح بعد هذه الاستدارة المبهجة وهذا الضوء الساطع الغامر، يبدد ظلمة الليل، ويحيل وحشته إنساً يصبح بعد هذا كله دقيقا نحيلا محدوداً لا تكاد العين تنتبه إليه وكأنما هو في السماء كوكب تائه، لا أهمية له، ولا عناية بامره، أولا ترى في كلمة العرجون ووصفها بالقديم ما يصور لك هيئة الهلال في آخر الشهر، ويحمل لنفسك ضآلة أمره معاً، وقوله تعالى (إنها ترمي بشرر كالقصر. كأنه جمالة صفر) فالقصر وهو الشجر الضخم والجمال الصفر توحي إلى النفس بالضخامة والرهبة معاً، وصور لنفسك شرراً في مثل هذا الحجم من الضخامة يطير.
ويرمي أحياناً إلى واشتراك الطرفين في صفحة محسوسة، ولكن للنفس كذلك نصيبها في اختيار المشبه به الذي له تلك أشرنا إليه. فالقران قد شبه نساء الجنة فقال:(فيهن قاصرات الطرف عين، كأنهن بيض مكنون) وقال: (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون) فليس في الياقوت والمرجان واللؤلؤ المكنون لون فحسب، وإنما هو لون صاف حي، وفيه نقاء وهدوء، وهي أحجار كريمة تصان ويحرص عليها، وللنساء نصيبهن من الصيانة والحرص، وهن يتخذن من تلك الحجارة زينتهن، فقربت بذلك الصلة واشتد الإرتباط، اما الصلة التي تربطهن بالبيض المكنون، فضلا عن نقاء اللون، فهي هذا الرفق والحذر التي يجب أن تعامل به كليهما. أو لا ترى في هذا الكن أيضاً صلة تجمع بينهما، وهكذا لا تجد الحس وحده هو الرابط والجامع، ولكن للنفس نصيب أي نصيب. وحينا يجمع بين الطرفين المحسوسين معنى من المعاني لا يدرك بإحدى الحواس، وقل ذلك في القرآن الكريم الذي يعتمد في التأثير أكثر اعتماد على حاسة البصر، ومن القليل قوله سبحانه:(أولئك كالأنعام بل هم أضل)، وصفته ضلال الأنعام من ابرز الصفات وأوضحها لدى