للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

النفس. وكثر في القرآن إيضاح الأمور المعنوية بالصور المرئية المحسوسة، تلقي عليها أشعة من الضوء وتغمرها، فتصبح شديدة الأثر، وها هو يمثل وهن ما اعتمد عليه المشركون من عيادتهم غير الله وهنا لن يفيدهم فائدة ما، فهم يعبدون ويبذلون جهداً يظنونه مثمراً وهو لا يجدي، ويبذل جهده في التنظيم، وهو لا يبني سوى أوهن البيوت وأضعفها، فقرن تلك الصورة المحسوسة إلى الأمر المعنوي، فزادته وضوحاً وتأثيرا، قال تعالى: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).

وها هو ذا يريد أن يحدثنا عن أعمال الكفرة، وأنها لا غناء فيها، ولا ثمرة ترجى منها، فهي كعدمها فوجد في الرماد الدقيق لا تبقي عليه الريح العاصفة صورة تبين ذلك المعنى أتم بيان وأوفاه فقال سبحانه: (مثل الذين كفروا بربهم، أعمالهم كرماد اشتدت يه الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد).

وليس في القران سوى هذين اللونين من التشبيه، تشبيه المحسوس، وتشبيه المعقول بالمحسوس. أما قوله سبحانه: (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم، طلعها كأنه رؤوس الشياطين) فالذي سمح بان يكون المشبه به خيالياً، وهو ما تراكم في هيئة بشعة مرعبة، وأخذت هذه الصورة يشتد رسوخها بمرور الزمن، ويقوى فعلها في النفس، حتى كأنها محسوسة ترى بالعين وتلمس باليد، فلما كانت هذه الصورة من القوة إلى هذا الحد ساغ وضعها في موضع التصوير والإيضاح، ولا نستطيع أن ننكر ما لهذه الصورة من ومما جرى على نسق هذه الآية قوله تعالى: (فلما رآها تهتز كأنها تأثير بالغ في النفس. جان ولى مدبراً ولم يعقب) فهي صورة قوية للجان تمثله - شديد الحركة لا يكاد يهدأ ولا يستقر.

والتشبيه في القرآن تعود فائدته إلى المشبه، تصويراً له وتوضيحاً ولهذا كان المشبه دائماً أقوى من المشبه به وأشد وضوحا وهنا نقف عند قوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري، يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس، والله

<<  <  ج:
ص:  >  >>