للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والشيخ شامل مثل الشيخ عبد القادر الجزائري خرج من المشيخة إلى الإمارة، وتناول السيف من طريق القلم - كما يقول المرحوم أمير البيان الأمير شكيب أرسلان - ولم يكن الشيخ شامل في سعة علم سليفه - الغازي محمد وحمزة بك - ولكنه كان أحسن منهما إدارة للأمور، وبصرة بالحروب، فشمر عن ساق الجهاد، والتف ذلك الشعب الأبي من حوله، فذب عن حوض ملته نحو ٢٥ سنة ظفر فيها بالروس في وقائع عديدة، وألقى الرعب في قلوبهم، أو جلاهم عن جميع البلاد إلا بعض مواقع ثبتوا فيها في الناحية الجنوبية، وكانت اعظم الدبرات التي والاها عليهم هي في سنتي ١٨٤٣ - ١٨٤٤م حيث افتتح جميع الحصون التي كانت لهم في الجبال، وغنم منهم ٣٥ مدفعاً، واعتاداً حربية، ومؤناً وافرة، وأخذ عدداً وافراً من الأسرى فجردت الدولة الروسية بعظمة ملكها وسلطانها جيوشاً جرارة، ونادت هي بالجهاد في الداغستان!. ونظم شعراء الروس القصائد في وصف تلك الحروب.

وما زالت توالي الزحوف حتى تمكنت من البلاد، ولكن بقي الشيخ شامل عشر سنوات أخرى يناوشها القتال في الجهات الغربية من الجبال، ولم يسلم هذا المجاهد العظيم للروس إلا في ٦ سبتمبر سنة ١٨٥٩م (من صفر سنة ١٢٧٦هـ) فنقل هو ومن معه من عياله ومرافقيه إلى بطرسبوغ، فاستقبله القيصر إسكندر الثاني وأكرم وفادته، ثم نقل إلى كالوغا، ومنها إلى كييف. وبعد أن قضى - خلافاً للعهود التي كانت أعطيت له قبل التسليم من أنهم سيرسلونه إلى خليفة المسلمين في القسطنطينية - في الأسر عشرة أعوام أذن له بالسفر إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، فسافر هو ومن معه إلى القسطنطينية حيث احتفل به السلطان عبد العزيز خان وأكرم وفادته، ومنها ذهب إلى مكة المكرمة حيث أدى فريضة الحج في ١٢٨٦هت، ثم ذهب إلى زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وبقي فيها حتى لقي ربه قبيل غروب شمس يوم الأربعاء الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة ١٢٨٧هـ (٢٨ مايو سنة ١٨٧٠م) ودفن بالبقيع عليه رحمة الله ورضوانه في مواجهة قبر العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم.

وانتهت بذلك الحرب في الجبل تقريباً، ودخلت البلاد في دور جديد من حياتها نستطيع أن نسميه دور التقرب بين الحكومة الغالبة وبين الأهالي، ودور العمل على نشر الحضارة

<<  <  ج:
ص:  >  >>