للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكل ما ترغب في بقائه يخدعنا ويولي عنا سراعا.

فأي بهجة في هذه الدنيا التي لا تضيء ' لا كما يضيء البرق الخاطف فهو يلمع بشدة ولكن لا يدوم، وهو يسخر من الليل الحالك ويختفي في الحال.

أنظر إلى الفضيلة تر أنها لا تثبت على حال وتتقلب كتقلب الأيام وإلى الصداقة نجد أنها نادرة الوجود

وأنظر إلى الحب تر أنه يبيع النعمة بالكبرياء والرحمة واليأس، وبعد فناء جميع المسرات والمباهج نرى أنفسنا في الوجود وعقولنا في التفكير، فما دامت السماء زرقاء صافية، والأزهار باسمة ماضرة، والعيون لم تتغير نظراتها قبل مجيء الليل تملأ النهار متعة وسروراً، وما دامت الساعات الهادئة تزحف ببطء: أفهمك في الأحلام التي لن تفيق منها إلا لتبكي حين ترى الحقيقة.

وفي قصيدة ثالثة يخاطب محبوبته بلغة الطبيعة وفلسفة الوجود خطاباً شعرياً رائعاً اقتبس معانيه من ظواهر الطبيعة التي شغف بها وأدمج نفسه وروحه فيها فيقول:

تتحد الينابيع بالأنهار، وتلتقي الأنهار بالمحيطات وتجتمع الرياح الآتية من المساء بعضها ببعض بعاطفة ورقة.

لا شيء في الطبيعة إذا يظل منفرداً بل يربطه القانون السماوي بشيء آخر ليتحد الاثنان، فلم لا يكون هذا حالي معك؟

انظري إلى الجبال وهي تقبل السماء العالية عن بعد، وإلى الأمواج وهي تعانق بعضها بعضا، وكذلك تفعل الأزهار والأغصان وهذه أشعة الشمس تحتضن الأرض وأشعة القمر تقبل البحر، فما قيمة هذه القبلات إن لم تقبلني مثلها؟

وفي قصيدة رابعة يخاطب الليل وهو يتصوره روحاً تسري في العالم فيناجي هذه الروح المحبوبة مناجاة شعرية رقيقة فيقول:

سيري بسرعة يا روح الليل وأنت تجتازين أمواج البحار الغربية بعد أن تخرجي من كهفك الشرقي الكثيف الضباب حيث تنسجين أثناء النهار أحلام الهناء والرعب مما يجعلك في نظرنا مزيجة من الخوف والمحبة، فأسرعي في سيرك.

اتشحي برداء أشهب نسجت خيوطه من النجوم، واحجبي بشعرك الفاحم الطويل عين

<<  <  ج:
ص:  >  >>