للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النهار بعد أن تقبليه حتى تضنيه، ثم تجولي فوق المدينة والبحر والبر والمسي بعصاك السحرية المخدرة كل إنسان فهلمي أيتها الروح المرتقبة.

عندما نهضت ورأيت الفجر قد لاح تنهدت أسفاً عليك، وعندما ارتفعت الشمس في الأفق، وزال الظل عن وجه الأرض، ثم وقع الظهر ثقيلا على الأزهار والأشجار وأخذ النهار المتعب ينحدر ليستريح في مقره رأيت انك قد تأخرت قليلا فتنهدت من أجلك.

وآخر قصيدة أرغب في الاقتباس منها قصيدة رائعة مطبوعة بطابع (شلي) وتتجلى فيها عبقريته الفذة التي تنسج حول منظر صغير أو أمر بسيط نسيجاً قويا من المعاني المبتكرة والتخيلات الظريفة، فها هو يسمع غناء قبرة في مساء يوم من أيام الربيع فيناجيها مناجاة الشاعر الفنان الذي ينظر للأمور بمنظار دقيق فيرى ما لا يراه غيره من البشر وتقترن أحاسيس ومشاعر لا تعتري غيره فيعبر لنا عن كل ذلك في قصيدة قوية بقول فيها:

حييت أيتها الروح اللطيفة، إذ لا أتصور انك طير لأنك تسكبين قلبك كله في نغمات منسجمة من السماء القدسي أو من جواره.

وفي ضوء الشمس الذهبي عندما تميل للغروب وتصبغ الغيوم صبغة لامعة أراك تسبحين مسرعة في الفضاء كما تسبح موجة من الطرب في مخيلة الإنسان.

وأرى المساء الأرجواني الشاحب يذوب حوله فلك مسيرك كما تذوب نجمة في السماء طلوع النهار، فأنت لا نراك ولكنا نسع صوتك الحاد البهيج.

وها هي الأرض وما حولها من هواء قد أترع بصوتك كي يحصل في ليلة صافية عندما يمطر القمر أشعته اللؤلؤية فيفيض السماء بها.

أي شيء أنت؟ لسنا نعرف، ما أكثر الأشياء شبها بك!

هل أنت كالشاعر المنزوي وهو يستنير بأفكاره ويطرب بغنائه الذي لا يطلبه منه أحد حتى يرى العالم مترعاً بالآمال والمشاعر والمخاوف، ذلك العالم الذي لا يعبأ به!

أم أنت كفتاة رفيعة قابعة في برجها الحصين وهي تواسي روحها الرازحة تحت عبء غرام عنيف بموسيقى عذبة في ساعة خفية فتفيض أنغام الموسيقى التي تغرق قصرها؟

أم أنت كوردة تتظلل بين أوراقها الخضراء يفتحها النسيم اللطيف فترسل رائحة زكيه تجعل الفراش المتنقل حولها يغشى عليه لشتدتها وقوة عبيرها؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>