أول شئ جعل كوبرنيكس يطرح النظام البطليموسي جانباً ويجاهر بنظامه الحديث هو صعوبة الأول وتعقده، وعدم مطابقة الحجج الكثيرة للظواهر المشاهدة في الكون، وذلك ما يفقده ميزة الجمال والبساطة الطبعية. وليس بالأمر الغريب الذي جعل الفونس العاشر ملك قشتالة يقول لما رأى النظام اليوناني كما شرح له. (لو استشارني الله يوم خلق هذا العالم لكان الكون أبسط وأجمل مما هو عليه الآن). وقد أصاب شيشرون الروماني بوصفه الكواكب بأنها لم تكن سهلة التعبير، إذ هي تارة متأخرة، وتارة متقدمة بين النجوم. وقد نراها في بعض الأوقات سريعة، وفي غيرها بطيئة، وأحياناً في المساء وأخرى في الصباح، فهي لا تبقى على حال واحدة أبداً. واليونان أنفسهم أقروا بفظاعة أفكارهم وعسر تحليلاتهم، ولم يقدروا أن يتصوروا كوناً طبيعياً من صنع الإله الأكبر وفيه هذه المتناقضات والصعوبات الجمة التي شاهدوها في حركات الكواكب السيارة. فكان عندهم الكون ظاهره وباطنه وما فيه من أجرام مختلفة الحجم متباينة الضوء مثالاً للتكامل والتلاؤم. فشكل الكون كان كروياً كشكل أجرامه التي تحدث بدورانها دوائر مستقيمة متعادلة. ولأن الدائرة كانت أتم الأشكال الهندسية تلاؤماً، والكون متلائم ومتسق مثلها، كانت صفة تابعة لحركات النجوم ومداراتها. على أن محاولاتهم هذه من تفسير الكون كنظام يسير لتطبيق قواعد هندسية سطحية، لا كنظام خاضع لنواميس طبعية أصلية، أفسدت عليهم الأمر وكانت سبباً في تعقيد الفكرة وإخراجها بصورة يصعب على العقل تصويرها أو إدراكها. فكانت النتيجة أن قام كوبرنيكس بفرض نظرة أسهل على الفهم وأقرب للمنطق من الفكرة القديمة. فجعل فكرته سهلة التعبير، بسيطة خالية من الدوائر أو شبه الدوائر الموجودة في النظام البطليموسي
في سنة ١٥٠٧ آمن كوبرنيكس بدوران الأرض حول الشمس، وكاد يذيع ذلك لولا خوفه من أن يتهم بالهرطقة والكفر. وذلك لأن الكنيسة حينئذ كانت تدعي أن الإنسان مادام أعظم المخلوقات في الكون، وغاية ما أبدع الله على صورته، وأن كل مخلوق ما عداه وجد له وله وحده، وما دامت الأرض هي موضع ذلك المخلوق العظيم ومكان الجبلة الممتازة المنفوخ فيها من روح الإله، فهي بلا شك مركز الكون، ومحور دورانه، ومركز انعكاس