أضوائه من مختلف الجهات حولها. وإن من أخذته أدنى ريبة في ذلك فقد أهان الإنسان وحط من مقامه الرفيع بين المخلوقات ونال من كرامة الإله وقوته وجبروته، لأنه هو والإنسان صورة واحدة
رأى كوبرنيكس أنه إذا كانت الأرض ثابتة فإن كل شيء ما عداها يتحرك. أي أن الكون من كواكبه السيارة وغير السيارة في حركة دائمة حول نقطة ثابتة في مركزه، ونقيض ذلك هو دورة الأرض وثبات ما حولها، وإذا قابلنا بين الفرضين وجدنا أن الظواهر الناتجة من الثاني هي كالنتائج الظاهرة من الأول، بل إن الفكرة الثانية، أي دورة الأرض، أسهل للعقل وأخف على الفكر من الفكرة الأولى. لذلك افترض كوبرنيكس دورة الأرض كشيء أقرب للحقيقة وأصدق للتعبير عن مظاهر الكون من فرض ثباتها ودورة الكون حولها. وقد رأى مما يبرر اعتقاده بدورة الأرض، أن للكواكب السيارة شذوذاً في حركتها، وأن اختلاف هذه الحركات يبين أن الكواكب تدور حول مركز غير الأرض. فبما أنها تارة قريبة وتارة بعيدة عن الأرض، ليست مركزاً لدوائر حركاتها
أكد لبطليموس ثبات الأرض اعتقاده لأن الدوران يهدمها ويفتتها فتتناثر في الفضاء قطعاً. فهاجم كوبرنيكس هذا بقوله: إن دورة الكون السريعة حول الأرض يجب بناء على ذلك أن تفتت الكون كله في الفضاء، ولو سلمنا بدورة الكون بدون تفتيت، أليس من نتيجته أن يتسع الكون ويتمادى في الاتساع حتى تبتعد أجزاؤه عن مركزه؟ وهذا الابتعاد عن المركز يزيد بسرعة الكون وقوة دورانه؟ وذلك لاتساع حلقته ولزوم دورتها في مدة أربع وعشرين ساعة؟ ثم إن قوة الدوران أن تدفع بأجزائه أكثر عن المركز فيتسع وتزيد بذلك سرعته التي تعود فتزيد بتوسيعه وهكذا إلى ما شاء الله. وعلى ذلك تصبح السرعة متناهية ويمتد الكون إلى ما لانهاية له؛ فإذا كان كذلك غير محدود الأطراف فالحركة ليست من صفاته لعدم وجود متسع في الفضاء لإتمامها، ثم لو كان الكون محدودا ومتحركا فماذا يكون وراء الجليد؟ فإذا كان لاشيء فهل يمكن أن يكون شئ محاطاً بلا شئ؟ هكذا احتار كوبرنيكس في أن يعتقد بكون محدود متحرك، أو بكون متحرك غير محدود. والتناقض جلي بين الفكرتين. لم يدر كوبرنيكس ما إذا كان الكون محدداً أم غير محدود، ولكنه كان متأكداً من حد الأرض وإحاطتها بسطح كروي، وقد عرف أن الاعتقاد بحركة شئ محدود أسهل من