فمدارسنا التي كانت تعلم التلاميذ في العصور الإسلامية الأولى وفي العصور الإسلامية أثناء القرون الوسطى وفي أوائل العصر الحديث كانت كلها تعلم الناس بغير أحر، وكانت الدولة العربية ترزق المعلمين دائماً والمتعلمين في أثر الأحيان، وما عرفنا بدعة بيع التعليم وشرائه إلا حين اتصلنا بأوربا أثناء القرن الماضي، والآن أخذت أوربا بالمجانية، ونعود نحن إلى المجانية، فلا يجب أن يقال إننا نستعيدها من أوربا، وإنما ينبغي أن يقال إننا نحيي السنة العربية ونعود بالمجانية إلى العهد الأول ونجعل المدارس كالمدارس التي لا تزال محتفظة بمجانيتها منذ ألف عام.
ثم انتقل معاليه بعد ذلك إلى شؤون الأدب والثقافة العامة، فقال: تعرفون أيها الزملاء، وأنتم قادة الثقافة والأدب في البلاد العربية أن لنا تراثاً يجب أن نحتفظ به وتراثاً لا ينبغي أن نكتفي بالاحتفاظ به دائماً، وإنما يجب أن نضيف إليه، وتعرفون أن علينا حقوقا أهملت في الأجيال الماضية وينبغي أن ينقطع هذا الإهمال، وأن أجيالا قصرت في ذات العرب والعروبة والثقافة وينبغي أن ينقطع هذا التقصير وترد إلى العرب حقوقها، وتعرفون أن العرب في العصور الإسلامية الأولى لم يقنعوا بما كان عندهم، وإن كان عندهم كثير، وإنما اتجهوا إلى الأمم المتحضرة التي سبقتهم إلى الحضارة وأخذوا خلاصة ما عندها وأضافوا إليه وكونوا الحضارة العربية الممتازة، ولا أقول ممتازة فخراً ولا استكباراً واستعلاء، وإنما أقول الحق الذي لا شك فيه، هذه الحضارة العربية التي حملت الثقافة قروناً ونقلت نور الثقافة من الشرق إلى الغرب وأتاحت لأوربا أن تكون كما هي الآن، هذه الحضارة قصر العرب في ذاتها وقتاً، وآن لهذا الوقت أن ينقضي، وآن أن نسترد مجدنا، ونأخذ من أوربا صفوة ما عندها، ونعطي العالم خلاصة ما عندنا، وأن نكون في العالم أمة قوية عزيزة بنفسها، وقد انقضى الوقت الذي كنا فيه نأخذ ولا نعطي، وآن الوقت الذي لا ينقطع أخذنا فيه عن غيرنا، ولكن يجب أن نضيف إلى ما نأخذ، ويكون غيرنا محتاجا إلينا كما أننا محتاجون إليه. يجب أن نقرر هذا ونتدبر ونتشاور في الوسائل التي تتيح لنا أن نسترد مكانتنا، وتتيح لأدبنا أن يكون أدباً عالمياً لا أدبا مقصوراً على الغرب، وتتيح لعلمائنا أن يكونوا علماء عالميين.
وبعد ذلك تعاقب رؤساء الوفود الرسميون، فألقى كل منهم كلمته، ثم فتح باب المناقشة في