للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إني لم أوفق إلى المصراع الثاني (فقال النبي: قل يا إمام (!) وأنه خير خلق الله كلهم) فأدمج البوصيري هذا المصراع في قصيدته)، ولقد قال الكاتب رأيه متضمناً تكذيب الخبر، وإني أتفق معه فيما ذهب إليه، وأضيف أن هناك أخبار رؤى كثيرة من هذا الطراز منبثة في بطون كتب الأدب القديمة - وكلها لا تعتمد على حجة ولا تستند إلى برهان - وقد اختلقها الشعراء أحياناً ليسجلوا لأنفسهم فضلا على غيرهم عن طريقها، أو اختلقها الرواة ليمجدوا بها شاعرا بعينه، يزجون في أشنائها المديح - إن صراحة وإن ضمنا - على لسان الرسول الكريم، وإلى القارئ العزيز خبراً منها:

قال السيد الحميري: رأيت النبي (ص) في النوم وكأنه في حديقة سبخة فيها نخل طوال، وإلى جانبها أرض كأنها الكافور ليس فيها شيء. فقال: أتدري لمن هذا النخل؟ قلت لا يا رسول الله، قال: لامرئ القيس ابن حجر، فاقلعها واغرسها في هذه الأرض ففعلت، وأتيت ابن سيرين فقصصت رؤياي عليه، فقال أتقول الشعر؟ قلت: لا. قال: أما إنك ستقول شعراً مثل امرئ القيس؛ إلا أنك ستقوله في قوم بررة أطهار. قال: فما انصرفت إلا وأنا أقول الشعر (!).

ففي هذا الخبر نرى أن الحميري عرف كيف يميز نفسه على سائر الشعراء بشيئين:

أولهما: تنبؤ الرسول له بأنه سيقول شعراً.

ثانيهما: تفضيل شعره على شعر امرئ القيس لأنه سيقال في قوم بررة أطهار.!

ولا يخفي أيضاً ما كان يرمي إليه من الإيحاء إلى ممدوحيه بفضل أخلاقهم؛ وروعة سجاياهم، لا لأنه قرر ذلك في مديحه لهم فحسب. . . فهو شاعر قد يمجد الظالم؛ ويحسن القبيح ويبجل المستبد لقاء عطاء أو رجاء صلة. . . بل لأن الرسول قرر هذا ضمناً في الرؤيا.

ونخلص من هذا إلى مطالبة الكتاب بتوجيه عنايتهم إلى تلك الكتب القديمة والعمل على تحقيق ما فيها من نصوص ونفي ما لا يتفق والمنطق السديد، والعقل الراجح، وملابساته التي قيل فيها، فإن هذا أجدى على الأدب والمتأدبين من المقالات الجوفاء التي لا تحمل في طياتها دسما يشبع نهم قارئ عادي فضلا عن قارئ ممتاز.

أحمد قاسم أحمد

<<  <  ج:
ص:  >  >>