للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يقنع أو يفيد، كان إنتاجه عملاً مثمراً لا يقل خطراً عن صنع آلة أو اختراع قنبلة أو كشف دواء. ورجال الأدب الخليقون بهذه الإضافة أقل عدداً في كل أمة من رجال العمل والمال والسياسة، ووظيفتهم وهي التفكير والتعبير أقوى أثراً في رقي الأمم من وظائف أولئك جميعاً.

ومهما يكن من مرمى هذا السؤال فإنه هو والأمر الأول قد حرك في نفسي الكلام في حاضر الأدب العربي عسى أن يكون له من عناية المؤتمر نصيب أكبر، ومن رعاية رئيسه الأديب الوزير حظ أوفى

سيداتي، سادتي، حاضر الأدب العربي لا يطمئننا كثيراً على مستقبله. حظه من المنهج الحديث قليل. وهذه القلة نفسها مئوفة بسوء الطريقة في تعليمه، وقلة الرغبة في تعلمه؛ فلا المعلم على الجملة صادق الجهاد فيما يعطي، ولا المتعلم على العموم حسن الاستعداد لما يأخذ، والأثر المحتوم لهذا الحظ المنكود في كمه وفي كيفه، ضعف الملكة فيمن يكتبون، وفساد الذوق فيمن يقرئون، وإذا ابتليت أمة بضعف الملكة فلا تحسن أن تعبر، وبفساد الذوق فلا تعرف كيف تقدر، أصبحت لغتها بينها أشبه بالرموز اللفظية البدائية، لا تشعرها بجمال، ولا تحفزها لكمال، ولا تربطها بماض، ولا تصلها بمستقبل.

كانت علوم الأدب فيما مضى تدرس في الأزهر وفي دار العلوم وفي مدرسة القضاء وفي مدرسة المعلمين العليا وفي أشباهها من معاهد لبنان وسورية والعراق دراسة عميقة تمكن الطالب المجتهد المستعد من فهم ما يقرأ، وفقه ما يعلم، وتعليل ما ينقد، وتحليل ما يذوق؛ فإذا اتصل النظر بالعمل، واقتران الحكم بالتطبيق، وصادف ذلك استعداداً في المتعلم، نبغ الكاتب الذي يكتب عن علم، والشاعر الذي ينظم عن فن، والناقد الذي يحكم عن تصور. أما إذا قوى الاجتهاد وضعف الاستعداد ظهر الأديب العالم الذي يهي الوسائل ويقرب الموارد ويوجه المواهب ويسدد الخطى. ومن هاتين الفئتين تستمد الحركة الأدبية عناصرها الحيوية فتقوى لتزدهر، وتنمو لتنتشر، وتسمو لتخلد وكان من خريجي هذا المنهج القديم في التعليم، أولئك الأدباء الأصلاء الذين حفظوا تراث اللغة، وجددوا شباب الأدب، وأسسوا هذه النهضة الأدبية الحديثة. ولا يزال من هذه الطبقة الكريمة فئة قليلة في أقطار العروبة تستبطن لغتها وتتعمق أدبها وتعرف لماذا تكتب الجملة على وضع دون

<<  <  ج:
ص:  >  >>