للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد أراد بعض المستشرقين أن يعلل الخلاف بين الأوزان العربية والفارسية الخ بما بين طبائع الأمتين من اختلاف.

ويقول شمسي قيس أن سبب نقل الطويل والمديد والبسيط أن أجزاءها غير متناسبة في حركاتها وسكناتها ويطيل في بيان ذلك. ولا يمكن الفصل في هذه المسألة إلا بعد بحث مفصل في أوزان الشعر العربي وعلاقتها بالكلمات العربية، وفي تطور الأوزان العربية في الشعر الفارسي وتبيين ما بين هذا التطور ولغة الفرس من صلة، وبعد بحث طويل شاق لم تتهيأ وسائله.

وأما النثر الفارسي فأثر العربية عليه أبين: الألفاظ العربية فيه أكثر، والتركيب قريب من التركيب العربي، ولكن لا بد من الفرق بين النثر الأدبي - نثر الرسائل والمقامات ونثر الكتب، فأما الأولى فقريبة من الشعر، وأما الثانية فيفرق فيها بين كتب التاريخ التي هي قصص يستعمل فيها الكلام المعتاد غالبا وبين المؤلفات العلمية مثل كتب الفقه والتوحيد والبلاغة والطب وهلم جرا. فهذا الصنف الأخير يكاد يكتب بألفاظ عربية، وتستعار فيه كل الاصطلاحات العربية، فاصطلاحات البلاغة وضروب البديع واصطلاحات العروض أخذت برمتها، وما زادوه فيها اشتقوه من العربية أيضا، ثم المؤلفات كلها علميا وأدبيا يتخللها كثير من المقتبسات العربية، ففي كتب الدين الآيات والأحاديث، وفي كتب الأدب والتاريخ كثير من الأبيات والأمثال والمأثورات، وقد تجد من ذلك أسطرا كثيرة متوالية.

قد عرفنا حال اللغة الفارسية في إيران إجمالاً، وكيف بدأت وكيف تطورت وكيف شاركت في فنون كثيرة. وقد يتردد في نفس القارئ هذا السؤال: ماذا أصاب اللغة العربية في تلك البلاد بعد أن صار لها لغة أدبية خاصة؟ هل استبدت اللغة الفارسية بالآداب ولم يبق للعربية فيها مجال؟ والجواب كلا!!

قد تقلبت الغير باللغتين ولكن يمكن أن يقال أن العربية احتفظت بالسيادة في الأطوار كلها فيما عدا الشعر. فأما أدلة هذا وتفصيله ففي هذه الكلمة الموجزة.

لا ريب أن المؤلفات العربية التي ألفت في بلاد فارس ما بين أول القرن الرابع وغارات التتار أكثر جداً من نظائرها الفارسية، ولكن ينبغي أن نفرق بين الشعر وبين غيره أيضاً فإن الأمر فيهما لا يجري على سنن واحد:

<<  <  ج:
ص:  >  >>