للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما العلماء المؤلفون فلا حرج على باحث أن يقول أنهم كلهم كانوا يعرفون اللغتين، وقد ألف بعضهم فيهما ولكن المؤلفين بالعربية أشهر ذكرا وأعظم أثرا. وحسبنا أن نذكر ابن مسكويه وابن سينا والبيروني والعتبي والغزالي والرازي والزوزني والتبريزي والنسفي والبيضاوي والطوسي.

وأحسن مقياس في هذا أن نعمد إلي جماعة ممن ألفوا باللسانين لنرى أمؤلفاتهم العربية أكثر وأعظم أم الفارسية. ولا أحسب الأمر يحتاج إلى عناء، فيكفينا أن نذكر الغزالي فنحن نعرف مؤلفاته العربية وليس له في الفارسية إلا رسالتان: كيمياء السعادة ونصيحة الملوك، وقد صرح في الأولى أنه ألفها بالفارسية ليفهم العامة. وفخر الدين الرازي له زهاء ٣٣ مؤلفا يعرف منها في الفارسية واحد فقط هو اختيارات علائي، ونصير الدين الطوسي على تأخر زمانه له نحو ٥٠ مؤلفا قليل منها الفارسي. والبيضاوي ألف تفسيره بالعربية ولم يمنح الفارسية إلا كتابا صغير أسماه نظام التواريخ.

وأما الشعر وما يتصل به فلا ريب أن النبوغ كان لشعراء الفرس أو لشعراء الفارسية، فليس فيمن شعروا بالعربية ببلاد الفرس أمثال الفردوسي أو الأنوري أو العنصري، ولكن أكثر العلماء الذين اتخذوا العربية لغة علم كانوا ينظمون شعرا عربيا. وكثير من شعراء الفرس نظموا شعرا عربيا كذلك. وحسبنا أن نعرف أن الثعالبي وهو من رجال القرن الرابع ذكر في الجزء الثالث والجزء الرابع من اليتيمة واحدا وخمسين ومائة من معاصريه الذين نظموا الشعر العربي في أرجاء بلاد الفرس وهم أكثر من كل شعراء الفرس الذين ذكرهم عوفي وهو في القرن السابع.

ومن الشعراء الذين نظموا باللغتين بديع الزمان الهمذاني وأبو الفتح البستي وقد ضاع ديوانه الفارسي، والبديع البلخي الذي مدح أحد الأمراء بشعر ملمع. وعطاء بن يعقوب الكاتب وكان له ديوانان عربي وفارسي، والباخرزي، وابن سينا، والشيخ سعدي. ومن الكتاب رشيد الدين وطواط صاحب حديقة الشعر وله رسالة عربية منشورة في رسائل البلغاء.

لم يكن حال اللغتين سواء في العصور كلها فقد كانت الفارسية منذ ظهرت في صعود بينما كانت العربية في هبوط (وهذا الهبوط كان أبين في الشعر منه في العلم، فالراوندي مؤلف

<<  <  ج:
ص:  >  >>