الكنيسة، وحوكم وعوقب من أجل ذلك. غير أن وقفة الكنيسة هذه لم تخفه ولم يهب سطوتها، وقد جرب إقناع مناوئيه ببراهين منطقية وعملية على فساد فكرتهم، حتى أنه كثيراً ما كان يناقضهم بحجج من التوراة، وكان يقول لرؤساء الدين عن عملهم هو تعليم الناس كيف يذهبون إلى السماء لا كيف تدور السماء. بيد أن الكنيسة لم تعر ذلك سمعاً، وأبت عليه أن يقارعها الحجة بالحجة خوفاً على هيبتها ووقارها أمام الشعب
وأخيرا في سنة ١٦١٦ التأم المجمع المقدس في روما، وقرر رفض حركة الأرض رفضاً باتاً من تعاليمها وعد الاعتقاد بها هرطقة وعصيانا. وبعد ذلك بسنة أصدر البابا بولس الخامس أمره لغاليليو بألا يعتقد ولا يعلم ولا يدافع عن فكرته الجديدة. ومن بعض أتباع البابا وأصدقاء غاليليو من نصح له أن يفرض ما يعتقد به عن حركة الأرض فرضاً بدون أن يجزم بحقيقته. غير أن غاليليو ظل يشتغل حتى سنة ١٦٣٢ عندما أظهر كتابه وفيه الحوار بين رجلين عن النظامين البطليموسي والكوبرنيكي، فسمعت الكنيسة به ومنعت بيعه، وأوعزت إلى محكمة التفتيش جلبه لروما، وهناك حوكم وهدد بالتعذيب إن عاد وجاهر بإنكاره، وحكمت عليه المحكمة أن يتلو كل أسبوع أمامها مزامير التوبة السبعة لمدة ثلاث سنوات، ولولا أصدقاؤه الكثيرون في روما لذهب ضحية أفكاره الجريئة
لكن برغم كل ما فعلته الكنيسة من إرهاب وتشديد، وبرغم كل ما أصدره البابا من أوامر تحريم وتعذيب، فأن الحقيقة ظلت سائرة في طريقها إلى الأمام، وما كانت لتختفي مرة إلا لتظهر للملأ بصورة أوضح وأروع من الأولى. وبدأت فكرة النظام الحديثة تتحقق تدريجياً في عقول معتنيقها، وتكبر وتتسع حول أساس جديد متين. وما زرع البذرة الأولى كوبرنيكس ونمت حتى أتى كبلر وغاليليو بعده وزادا في نموها وتحكيم أصولها في النفوس. ثم جاء نيوتون وربط أجزاء النظام الجديد بقانون الجاذبية العام. وأثبت صحة الحقائق التي استلمها عن غاليليو وكبلر ببراهين رياضية دقيقة، وظلت الفكرة تنمو وتتسع، والنظام الشمسي يكبر باكتشاف سيارات جديدة فيه كأورانوس ونبتون، حتى اكتشف نهائياً بلوتو في سنة ١٩٣٠ وهو أبعد الكواكب السيارة عن الشمس. وكان ذلك خاتمة النمو المطرد في فكرة النظام الشمسي الحديثة، الذي ابتدأ من كوبرنيكس وبقي نحواً من ثلاثة قرون.