المشتري وأقماره. في سنة ١٦٠٩ صنع غاليليو أول تلسكوب، وفي سنة ١٦١٠ استطاع أن يرى سطح القمر ويميز الأماكن المرتفعة من المنخفضة فيه، وأن يظهر حقيقة المجرة كمجموعة كبيرة من النجوم الصغيرة المتقاربة من بعضها، والتي ترى لكثرتها كأنها جسم واحد
في مساء ليلة من ليالي يناير سنة ١٦١٠ أحرز غاليليو أعظم نصر عرفه النظام الكوبرنيكي على النظام البطليموسي، إذ رأى حينئذ المشتري وحوله أقمار أربعة تحوم حوله. وهذا ما يؤيد أن الأرض ليست هي وحدها صاحبة الكون ومركزه، بل هناك أجرام أخرى لها ذات الميزة التي اختصها بها اليونان الأقدمون. واستطاع غاليليو بذلك أن يسقط أهم دعامات النظام البطليموسي الذي يقول: إن الأرض وهي - أهم الأجرام في السماء وأقدمها وموطن أرقى المخلوقات والمسرح الذي مثلت عليه مأساة المسيح ابن الله - لابد أن تكون مركز الكون ومحور دورانه
ومن جملة الأسباب التي كان يحتج بها أرسطو في تأييد النظام القديم، وهو أنه لو فرض دوران الأرض حول الشمس، فإن عطارد والزهرة يجب أن يظهرا بأوجهٍ كأوجه القمر، وبما أنا لا نرى شيئاً من ذلك فدورة الأرض حول الشمس فكرة فاسدة، ولكن غاليليو لم يجب على ذلك قبل أن رأى في تلسكوبه أوجه الكوكبين واختلافها بحسب موقعها من الأرض، وهكذا سقطت دعامة أخرى من دعامات النظام البطليموسي، ولم يبق لذلك النظام إلا أن ينهار من أسسه التي لم تقدر على احتمال ضغط التجارب الشديد
منذ تلك الاكتشافات كان غاليليو سبب ثورة عاصفة من النقد والبحث والشك في أوربا. وكان الناس يتساءلون فيما قد تكون حقيقة هذا الكون الذي خدعهم ظاهره مدة طويلة من الزمن؟ وماذا عسى أن يحدث من حط عظمة الأرض والإنسان والخالق من مكانها الأول؟ وما الذي تجيبه عليه الكنيسة والتوراة دحضاً لهذه المظاهر الجديدة وتطميناً للنفوس الحيرى المضطربة. ذلك ما زاد قلق الكنيسة والبابا على ضياع النفوس من حظيرتها، فهبت تناصر القديم بالتوراة والدين، وتشددت في تعاليمها ورفضت كل معتقد غريب عنها، وحاكمت من الشعب كل من عصى أمرها أو أهان قدرها. وكان غاليليو أول من صبت جام غضبها عليه، فصادرت كتبه وأرغمته مرات على رفض معتقده والتمسك بما تقول