للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إذا نظرت نيوب الليث بارزة ... فلا تظن إن الليث يبتسم

ومع كل هذا فلا يخلو ديوانه من شعر الفكاهة فقد قال وقد تاب بدر بن عمار من الشراب مرات عديدة ثم رجع إليه فرآه أبو الطيب يشرب فأنشد ارتجالًا؛

يا أيها الملك الذي ندماؤه ... شركاؤه في ملكه لا ملكه

في كل يوم بيننا دم كرمة ... لك توبة من توبة من سفكه

والصدق من شيم الكرام فنبنا ... آمن الشراب تتوب أم من تركه

هذه الكياسة من الصفات التي حببته إلى نفوس الأمراء والملوك فقد مزج الدعابة بالمديح المتين: أصدقاء الأمير شركاء في ما يملك من ثروة يأخذون ما يريدون بلا منّة ولا استحياء، وهذه من سمات الكرم الأصيل. ثم ما أبرع أبا الطيب في قوله (لك توبة من توبة) فالمعنى الأصلي أنه نكص ومنعفت عزيمته فارتد عن توبته ولكن براعة المتنبي تأبى أن تقول هذا المعنى بهذا اللفظ القارص فتحايلت لإبرازه بعودة أخرى؛ فالأمير لا يزال مستمرا في توبته ولكنه تائب عن التوبة. هذه المغالطة الفكهة حبيبة إلى كثير من النفوس، ثم وسع له الفرصة ورفع عنه الحرج إذ مهد له الجواب في سؤاله: (أمن الشرب تتوب أن من تركه؟) فمن اليسير المقبول أنه يقول الأمير: (بل من تركه)

ومن شعر الفكاهة قوله من قصيدة طويلة قالها عندما أنقذ سيف الدولة أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان من أسر الخارجي:

ولو كنت في أسر غير الهوى ... ضمنت ضمان أبي وائل

قدى بفسه بضمان النضار ... وأعطى صدور القنا الذابل

ومناهم الخيل مجنونة ... فجئن بكل فتى باسل

طرافة يصورها المتنبي لهذا الأسير، فهو يضمن النضار لأعدائه ولكنه يعطي صدور القنا عوضه، فياله من تعويض طريف. ويمنيهم الخيل يعدون بها غنيمة فجاءت الخيل - كما وعد - ولكنها تحمل الموت الزؤام بسنان (كل فتى باسل).

إن المتنبي يجوز في شرعته أن يمكر الإنسان بعدوه ويخلف وعده ولكنه يأبى هذا في الحب.

وهو ينحدر إلى السخرية الجارحة مخاطباً أعداء أبي وائل في قوله: -

<<  <  ج:
ص:  >  >>