خذوا ما أتاكم به واعذورا ... فأن الغنيمة في العاجل
وإن كان أعجبكم عامكم ... فعودوا إلى حمص من قابل
فهو يزعم - ساخراً - أن ما نالوا من قتل وتدمير على يد سيف الدولة فذلك (إحسان) ومن شيم المحسنين أن يعتذروا عن قلة إحسانهم ولو كان جسيما. فخذوا ما تيسر واعذورا. وإذا ارتضيتم صنيعا هذا فهلموا إلينا في العام المقبل إلى مثل ما غنمتم في هزيمتكم المنكرة.
وأنشد المتنبي أبا بكر الطائي فنام والمتنبي ينشد فقال: -
إن القوافي لم تنمك وإنما ... محقتك حتى صرت مالاً يوجد
وكأن أذنك فوك حين سمعتها ... وكأنها مما سكرت المرقد
إن البيت الثاني دعابة واعتذار إذ ألقى تبعة النوم على الشعر فقد حسبه كالأفيون الذي يجلب النوم، أما البيت الأول وفيه (إن القوافي محقتك) فهو وخزة عميقة أملتها نفس المتنبي الثائرة وقد جمع المتنبي بين الهجوم والاعتذار في بيتين متتابعين.
ومن الفكاهة الجيدة قوله
بلغت بسيف الدولة النور رتبة ... أنرت بها ما بين غرب ومشرق
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ... أراه غباري ثم قال له الحق
صورة بديعة مضحكة حالة هذا الأحمق يبيت له سيف الدولة المكر فيحثه على اللحاق بالمتنبي وهو منطلق لا ترى إلا عجاجته ليكشف ضعف هذا العاجز فيضحك من تقصيره، صورة حسنة منظورة في منافسات الفرسان استعارها أبو الطيب لمباراة الشعراء فبلع الغاية.
ومن التهكم والسخرية قوله وقد قبض عليه أبن علي الهاشمي في قرية يقال لها (كوكتين) وجعل في رجله وعنقه خشبتين من خشب الصفصاف.
قال: -
زعم المقيم (بكوتكين) بأنه ... من آل هاشم بن عبد مناف
فأجبته مذ صرت من أبنائهم ... صارت قيودهم من الصفصاف
وقد ذكر هذين البيتين المرحوم البرقوقي في المستدرك من شعر المتنبي في آخر الجزء الثاني من طبعة سنة ١٩٣٠ فإذا صحت هذه الزاوية فربما قالهما بعد أن نجا من قيد هذا