الهاشمي المتهم بنسبه على رأي المتنبي ولا يعقل أنه قالهما وهو في قبضة الآسر فيضاعف من نكاله وآلامه.
وقال في صباه وقد رأى جرذاً مقتولاً: -
لقد أصبح الجرذ المستغير ... أسير المنايا صريع العطب
رماه الكناني والعامري ... وتلاه للوجه فعل العرب
كلا الرجلين إتلا قتله ... فأيكما غل حر السلب
وأيكما كان من خلفه ... فان به عضة في الذنب
ففي وصف معركة الجرذ لفتات تدل على براعة التصوير ودقة التعبير؛ فالجرذ مستغير أغار على العامري والكناني فحاب في حملته لأن بأس خصميه فوق ما قدر وقد تظاهرا عليه فقتلاه، وتلاه للوجه كصنيع العرب في الوغى، ولكن من منهما اقتدى بشاعر الفراسان عنترة العبسي ذاك الذي (يغشي الوغى ويعف عند المغنم) فتنازل لصاحبه عن حصته في السلب فقد انفرد بغنيمته شخص واحد.
ووصف المتنبي السلب بأنه (حر) لا عار على آخذه فهو من أسلاب الحرب يأخذه الغالب بكامل عزته وكبريائه، ثم يتساءل المتنبي عن الندب الذي فتك به بغتة فعضه من الذنب فلعل هذا أحذق بفن الحرب وأدخل في باب الشهامة الحربية لأنه لم يستعمل من السلاح خيراً مما يملك خصمه.
هذا المتنبي من شعراء القوة والدم في العالم قطبت الأحداث جبينه وألهبت نظراته الخصومات فلا يبتسم إلا لماماً. وأحسب لو أنه نال بغيته لانبسطت أساريره وأولى شعر الفكاهة أكثر من هذه العناية، والفن القوي يخلد مع كل غرض.