عطف الوالد على ابنته، فقد خشيت أن اشق عليه إذا ما عرضت عليه هذه الرغبة التي عرضتها عليك. . . ومن هنا خطر لي أن ألقاك أنت لأقدم إليك مجموعة شعري كاملة قبل أن تقدم لها بما شئت من كلمات).
وتوقفت لحظات قبل أن أقول لها وعلى شفتي ظل ابتسامة:(إنني أعلم يا ناهد أن لقاءك للدكتور طه لم تسمح به طبيعتك النفسية إلا لسبب واحد، وهو اطمئنانك إلى أن أحداً لن يظن بك الظنون إذا ما جلست إلى أديب قد بلغ مرحلة الكهولة وتخطي الستين. . . أما أنا فأخشى إذا ما علمت حقيقة سني أن تحذفي من قائمة أمانيك هذه الأمنية الأخيرة، لأنني يا أختاه لم أبلغ الثلاثين بعد)!. . . وهتفت في صوت امتزجت في نبراته الدهشة الخالصة بالأسف البالغ: ماذا؟ لم تبلغ الثلاثين بعد يا لله، ماذا كان يمكن أن يقول الناس لو أنك كتبت هذه المقدمة؟ أنت بالذات؟ إن كلمة واحدة تنطلق من لسان جاهل بحقيقتي الخليقة لكفيلة بأن توردني موارد الهلاك. . . أقسم لك أنني ما فكرت في لقائك إلا لاعتقادي بأنك في سن الدكتور طه حسين! هل تغفر لي إعفاءك من كتابة هذه الكلمة التي لن تعفيني من كلام الناس)؟
وراحت الشاعرة القديسة تعتذر إلي، معلنة عن رغبتها في أن تلقي الأستاذ الزيات ليحل قلمه محل قلمي في تقديم شعرها إلى القراء. . . ومهدت لها سبيل اللقاء حتى تم، وكان الأستاذ صاحب الرسالة ثاني اثنين رأتهما هي رأي العين قبل أن تودع دنيا الأحياء لتعيش في جوار الله!
لقد عاشت حزينة وماتت حزينة. . . هي التي كانت تسكن البيت الأنيق في حي من أجمل أحياء القاهرة، وتعيش في ظل أسرة هيأت لها من رغد العيش وطيب المقام ما لم يتح لكثير من الفتيات! ولقد كانت العزلة سبباً من أسباب حزنها بلا مراء، ولكنها لم تكن السبب الأصيل لهذا الألم الدفين الذي أحال حياتها إلى أقباس من العذاب، وانعكس على شعرها لوعة وشكاة وأمسك القلم عن أن أحدثك عن سر حزنها الحقيقي، لأنها الآن تشفق على حرمة ذكراها من كلام الناس!
وأشهد لكم وقفت منها موقف الطبيب من مريض تبخرت قطرات الأمل في شفائه: مبضعي الذي يفتش عن مكامن الداء قلم، ودوائي الذي يأسو جراح الزمن كلمات. وكان هذا هو كل