الحلم الصغير، وهو أن ترثى بقصة الدموع التي شابت وهي في رحاب السكون والعدم!!
نشأت ناهد في أسرة كريمة، محافظة، ترعى حقوق الخلق وتتمسك بمعاني الفضيلة. . . ومن هذا الجو الذي عاشت فيه، جو التقاليد الصارمة والمثل المفروضة والقيم الموروثة، لم تستطع أن تواجه الحياة والناس بشيء من الشجاعة يتيح لفنها أن يتنفس كما يريد. . . كانت تخشى لقاء الحياة وتشفق على نفسها من ألسنة الناس، لأن المجتمع المصري في رأيها لم يبلغ من النضج الخلقي ما يجعلها تثق به وتطمئن إليه! من هنا عاشت في عزلة، عزلة مريرة قاسية فرضتها عليها ظروف التربية وطبيعة النشأة، عزلة طبعت آثارها النفسية القاتمة في أول كلمة بعثت بها إلي ونشرت في الرسالة تحت هذا العنوان:(شاعرة حائرة تسأل عن الفن والحياة). كان ذلك في العدد الصادر بتاريخ ٢٣ مايو سنة ١٩٤٩ ومن كلمتها تلك تستطيع أن تلمس صدق اللوعة وهي تتحدث إلي عن ظلم التقاليد، هذا الظلم الذي حال بينها وبين التعليم الجامعي الذي كانت تتطلع إليه، وحرمها فرصة الاتصال بالمجتمع الذي لم تعرفه إلا عن طريق الصحف والكتب والخيال!
ولا تعجب إذا قلت لك إن هذه الشاعرة الراحلة قد بلغت من الانطواء على النفس ذلك الحد الذي لم تطق معه أن يعرف اسمها أحد أو يرى وجهها إنسان، اللهم إلا هؤلاء الذين كانت تثق بهم وتلجأ إليهم في سبيل شيء من العون أو أشياء من العزاء. . . ولقد كان كاتب هذه السطور يعلم من أسرار حياتها ما لم يتح للآخرين أن يطلعوا عليه، لأنه كان موضع ثقتها في كثير من الأمور. ومع ذلك فهو لم يرها رأى العين في يوم من الأيام لأن لذلك قصة ستعلمها بعد سطور. . . قصة تطلعك على مدى خشيتها من الناس وكلام الناس، ومدى حرصها على أن تظل بمنأى عن كل ما يثير من حولها الظنون والشبهات! قالت لي يوماً في حديثها التليفوني الذي كان يطرق سمعي كل صباح:(لقد أذنت لي منذ شهور في أن أضع مستقبلي الأدبي بين يديك وأشهد لقد أخذت بيدي وفعلت من أجلي الكثير: فتحت لي أبواب (الرسالة) و (الأهرام) فقرأ الناس شعري هنا وهناك، ويا لها أبواب أمل كانت موصدة فتجدد بفتحها كل رجاء. . . والآن لم يبق لي عندك غير أمنية واحدة، وهي أن تكتب مقدمة ديواني الذي أريد أن أدفع به إلى أيدي القراء). وسكتت قليلاً ثم قالت: (لقد كنت أزور الدكتور طه حسين منذ يومين، ومع أنه كما قلت لك غير مرة يعطف عليّ