للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ليست الثقافة العربية وحدها هي التي تواجه هذا التحدي. فلقد قام في الآونة الأخيرة بعض أئمة الفكر الفرنسي المعاصر يحملون لواء النقد اللاذع للثقافة الأمريكية وللفجر والتبسط والتبذل التي يشوبها - أو على الأقل يشوب ألوانها التي تجد سبيلها إلى صحافة العالم ومجلاته ومنها الشرق العربي - فكتب (فرانسوا مورياك (سلسلة من المقالات التحليلية العنيفة في (الفيجارو يصف الثقافة الأمريكية بأنها (تشكل في غزوتها الثقافية للثقافة الفرنسية العريقة خطراً لا يقل عن خطر المادية الماركسية) وساند مورياك كاتب فرنسي عنيد هو (أندريه زيجفريد) فعزز رأيه وتناول بالنقد والتحليل المقارن ذيول هذا الخطر الداهم وعواقبه على الإنتاج الفكري وصميم المصلحة السياسية والاجتماعية للشعب الفرنسي.

حتى (جون بول سارتر) وهو من دعائم أدب اللذة ثار على الثقافة الأمريكية ثورة لم يكن مبعثها انتقاد عناصر اللذة والمجون التي تهيمن على إنتاج أمريكا الأدبي والفني فحسب، وإنما مبعثها تحليل لوضعية الثقافة الفرنسية ومواقف الضعف والقوة فيها إزاء هذا التحدي الأمريكي، ولم يكن في موقف سارتر هذا شيء من التناقض؛ فالرجل صاحب مدرسة في الأدب والفن، المجون واللذة من أصولها؛ ولكنه فوق ذلك مثقف فرنسي يأبى إلا أن تكون مدرسته وثقافته أصيلة لا تقلد، وعريقة لا تستعير، وعميقة لا تنساق في موكب القشور والسطحية والابتذال التي يبدأ في هوليود وينتهي في أكثر شعاب الأرض.

ولقد أقر البرلمان الفرنسي مؤخراً قانوناً - يمنع استيراد (الكوكاكولا) من أمريكا، لأنها من العناصر التي تؤثر في أسلوب الحياة الفرنسي. وكان البرلمان الفرنسي في هذا القرار جاداً وليس بهازل. فقد عبر عن مخاوف الفرنسيين في أن يفقدوا العناصر والمقومات التي تحفظ للمجتمع الفرنسي طابعه ويصون له مكانته بين الثقافات الإنسانية.

وأمثال مورياك وزيجفريد وسارتر كثيرون في بريطانيا. فالبريطاني أديباً كان أو سياسياً أو من رجال الأعمال يحمل في نفسه نفوراً للكل ما يمت إلى العقلية الثقافة الأمريكية بصلة وهذا النفور لا يستره ولا ينسيه تحالف بريطانيا مع أمريكا في عالم السياسية والاقتصاد.

وندر أن تقرأ كتاباً أو بحثاً بريطانياً في السياسية أو الأدب أو الاقتصاد أو شتى مظاهر الفكر إلا وتلمس هذا الاستخفاف بالثقافة الأمريكية والنفور منها نفوراً لا قبل للبريطانيين

<<  <  ج:
ص:  >  >>