بدفعه. وقد أعرب (هارود لاسكي) عن هذا النفور البريطاني في دراسته القيمة للديمقراطية الأمريكية التي صدرت قبيل وفاته. وكذلك فعل (جفري نمورا) في كتابه عن (الخلق الأمريكي) الذي صدر منذ عامين.
إذن فحملة (الزيات) وأقرانه وكبار رجال العلماء والذين يشاركونهم في الرأي للدفاع عن الفضيلة والفن هي حملة صادقة.
فالمرء يولد في ثقافة تتشعب أصولها في تكوينه العقلي ونشاطه الروحي وحياته الاجتماعية. وهذه الثقافة عزيزة عليه لأنها توفر مستقبلاً ينفث فيه ذلك النشاط.
والثقافة الحية تعيش في جماعة حية ترى في ثقافتها إمكانيات تنطوي عليها ما تفور به نفس تلك الجماعة من انفعالات ومثل وقيم.
وهذه الأوضاع النفسانية تختلف باختلاف الجماعات وذلك لأسباب بيولوجية وتاريخية تشمل البيئة والوراثة والمقدمات الخلقية وما شاكلها في هذه الوجوه التي تنفرد بها الجماعات عن بعضها البعض.
وللثقافة الحية إذا شاءت أن توفر لنفسها حياة التقدم والرقي أن تسلك سلوكاً قومياً فتحتفظ لنفسها بالسلطة الفكرية والسيادة الثقافية بحيث تهيئ للمفكر والفنان ورجل الدين أن يقوموا بوظائفهم في تغذية تلك الثقافة بشتى عناصر الحياة والنمو.
وعناصر الحياة والنمو هذه لا تكون بالاستعارة والمحاكاة والتقليد الأعمى، بل باستيعاب الأسس العريقة التي بنيت عليها ثقافة الفنان والمفكر ورجل الدين واطلاعه على ثقافات الأمم الأخرى، فيختار منها ما يستسيغه ذوقه وما يهضمه عقله فيتطعم بها ثم يقدمها إلى ثقافته الوطنية مساغة منقحة على النحو فعله بناة الثقافة العربية حين اتصلوا بحضارات الإغريق والفرس والرومان، وكما فعله بناة الثقافة الأوربية حين استساغوا من الثقافة الإسلامية في القرون الوسطى وما بعد.
أما إذا فقدت الجماعة حولها إزاء هذا التقليد الأعمى الاستعارة والمحاكاة الضالة فقل على ثقافتها السلام.
وفقدان الحول يكون بواحدة من اثنتين: أما أن تكبت ألسنة المفكرين وحفظة الدين وأهل الفن كبتاً كما فعل أتاتورك الأتراك فأفقد ثقافتهم طابع الحياة والنمو، وإما أن يقف من أهل