للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العلم والفن. موقفاً سلبياً أمام نشاط المقلدين والمحاكين ويتركونهم يعيشون بالثقافة القومية وخصائصها ومقدماتها العريقة فساداً في غير وعي ونباهة.

ولقد صدق (فرانز كافكا) حين قال (إن المثقف في الدولة الديمقراطية نائب يحمل لواء الدفاع عن مقومات الثقافة وجوهرها ويصونه من عبث العابثين؛ حتى ولم يوله أحد هذه النيابة. فالدفاع عن الثقافة واجب وطني كالواجب السياسي والاجتماعي. بل الواقع أن النيابة الثقافية أهم أنواع الالتزامات القومية شأناً؛ أنها المصدر الذي يستمد منه السياسي دهاءه، والاقتصادي كفايته، والجندي معنويته واستعداده، والمصلح الاجتماعي مواد الخام)

وفي عنق الخاصة من الكتاب والباحثين من أهل الثقافة أمانة مضاعفة إزاء موجات العبث والتحدي. فالكاتب إذ ينشر في الناس آراءه وانطباعاته وزبدة اختباره وتجاربه يعد مسؤولاً عن كل شيء كما قال سارتر، عن الحب والموت والكيان الاجتماعي والحياة السياسية والمشاكل الاجتماعية وشتى أنواع النشاط الإنساني. وريشة الفنان وقلم الكاتب وحديث المعاصر مهما تقيدت بالانفعالات النفسية الخاصة ليست في الواقع إلا دعوة إلى معالجة ذلك النشاط الإنساني. والشاعر حيث يتغنى بجمال الحياة أو ينعي بؤسها إنما يعد نفسه مسؤولا عن إطلاع الناس على ذلك الجمال أو البؤس.

فحين كتب تولستوي قصته الخالدة عن (الحرب والسلم) كان يعد نفسه مسؤولاً عن الحرب وشرورها. وقل مثل ذلك من المعري في (لزوميائه) وفي جوته في (فاوسته) وفي الفارابي (في مدينته الفاضلة).

وسواء صارح الكاتب أو الفنان نفسه بهذه المسؤولية وصارح بها الناس أو لم يصارح فهذا ليس بالأمر المهم. إنما المهم أنه أنتج ونشر في الناس وبذلك عبر - واعياً أو واع - عن مسئوليته في القالب الذي يستعذبه وفي الأسلوب المحبب إلى نفسه وعواطفه ومشاعره.

فكيف إذن يقف الخاصة من المثقفين موقفاً سلبياً إزاء هذا العبث الذي يفسد كيان الثقافة التي يعيشون فيها والأسس والمقدمات العريقة التي استمدوا منها نيابتهم ومسئوليتهم؟

وقد برر (أندريه زيجفريد) انتقاده للتيارات الأمريكية التي تعصف بالثقافة الفرنسية فقال (إن الثقافة الفرنسية لا تستطيع مواجهة هذه التيارات في قوة ومناعة إلا إذا أستشعر المثقفون الفرنسيون مسئوليتهم. فالثقافة لا تحفظ طابعها أو مقوماتها العريقة إلا إذا صمد لها

<<  <  ج:
ص:  >  >>