العارفون بها المؤمنون بعزتها المحبون لها من أبنائها الخلص)
والتصدي للتيارات الأجنبية يتطلب مزيداً من الدفاع وقسطاً أكبر من الحماس والنشاط حين تكون تلك التيارات صادرة عن ثقافة تسندها دولة قوية البأس وافرة العدة الاقتصادية والسياسية.
ففي الثقافة الاسكندنافية مثلاً عناصر كثيرة من المستحب السائغ الذي قد يستهوي التقليد والمحاكاة، ولكن الدول الاسكندنافية ضعيفة الحول في عالم السياسة والاقتصاد، ولذا فأن تياراتها لا تندفع نحو الثقافات الأخرى فتفرض نفسها عليها على نحو ما تفرضه ثقافة الإنجلو سكسون على ثقافات المعسكر الديمقراطي، وثقافة السوفييت على منطقة نفوذه في شرق أوربا والشرق الأقصى. وقد ضرب جون بول سارتر مثلاً بألمانيا إبان العهد.
الهتلري وقال أن المواطن في هولندا وبلجيكا ولوكسمبرج مثلا كان مدفوعاً إلى التماس الثقافة الألمانية لأنه كان يشعر بأنه سيصبح عاجلاً أو آجلاً جزءً منها. وما ذلك إلا لأن النازية كانت على قسط كبير من القوة والبأس السياسي والاقتصادي كانت سبباً في هذه الهزيمة التي شاعت في المواطنين الهولنديين والبلجيكيين والتي سهلت لألمانيا احتلال هذه الشعوب في يوم وليلة وسهل لها كذلك أدارتها وتسيير شئونها المحلية بالتعاون مع الكثرة من المثقفين وغير المثقفين.
وتاريخ الاستعمار الأوروبي في شرقنا يؤيد ذلك.
إذن فعلى المثقفين مسئولية سياسية وقومية بالإضافة. إلى الواجب الأدبي والفني في الدفاع عن مقدمات الثقافة التي نشأ فيها وتعرف على سرائرها وعرف بها الناس. ووزر القصور مضاعف، والصمت في مثل هذه الحالة جريمة قومية.
وقد يحلو لبعض الخاصة من أهل الفكر أن لا يتقيدوا بالقوميات في معناها الضيق المحدود، وألا يتعرفوا بأن للفن والفكر حدوداً ومعالم جغرافية وزمنية. فهذا لون من الاتجاه الفكري كلما أمعنت فيه الدرس وجدته مناقضاً لطبيعة السلوك الإنساني؛ فعلم الاجتماع ينفيه وعلم النفس لا يقره. والسلوك الشخصي لمعظم الداعين له ينقضه نقضاً تاماً.
فالعصبية القبلية في حقيقتها الاجتماعية مستمدة من علاقة الفرد بعائلته وأمه وأبيه؛ وإلى أن يولد مجتمع تزول منه هذه العلاقة الطبيعية فأن العصبية ستظل من الحقائق الاجتماعية