للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الراسخة. المرء حيوان اجتماعي، وهو يألف الجماعة التي تبادله مشاعره وتشاركه طبائعه وتبادله المحبة والألفة. وإلى أن يتطور المجتمع إلى وحدة متجانسة في مشاعرها وطبائعها فأن المرء سيظل يألف القوم الذين هو منهم، ويعتز في قرارة نفسه بالقومية التي يدينون بها. وتاريخ الحضارة لم يحقق - ولا يبدو أنه يستطيع أن يحقق - هذه الوحدة وهذا التجانس.

فمن أبرز دعاة (العالمية) رجل يعلم عن طبيعة الكون ما لم يعلمه إنسان آخر؛ ذلك الرجل هو (البرت انشتاين). وقد نشر انشتاين بحوثاً في السياسة والاجتماع وهي غير مؤلفاته الرفيعة الشأن في الرياضيات الفلسفية. وحيث تقرأ ما كتبه انشتاين عن القومية و (العالمية) تشعر بأنك أمام رجل، العالم بأسره وطن له فهو لا يعترف بحدود ولا يتقيد بولاء (قومي) معين. ولكن ذلك لم يمنعه في السنوات الأخيرة أن ينشر النداء تلو النداء يستجدي فيه المناصرة الأدبية والسياسية والمادية للوطن القومي اليهودي في فلسطين. فعالمية أنشتين شطحة فلسفية لم تصمد أمامٍ الحقائق الاجتماعية وطبيعة السلوك الإنساني. فهو يهودي قومي قبل أن يكون مواطنا عالمياً. وقد وجه كاتب هذه السطور في السنة الماضية أسئلة بهذا المعنى إلى البروفيسور أنشتاين خلال محاضرة عن (الجامعة العبرية بالقدس وضروية مؤازرتها) ألقيت في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برنستون هنا في أمريكا حيث يعيش اليوم أنشتاين. فكان جواب هذا المواطن العالمي ما يلي بالحرف الواحد: (إسرائيل لي وطن روحي. وأني أعز في إسرائيل ثقافة العبريين وهي ثقافة لها مكانتها في الفكر العالمي وهي جديرة بالإعزاز والإحياء.)

ويمكنك أن تستنتج ما شئت من سلوك أنشتاين هذا ولكنك لن تستطيع أن تنفي عن هذا المواطن (العالمي) قوميته الثقافية ولا أقول ولاءه السياسي لإسرائيل. فليس المقام هنا ليسمح باستعراض النقاش السياسي العنيف الذي دار بين البروفيسور أنشتاين وبين الدكتور فيليب خليل حتى المؤرخ العربي المعروف على صفحات الجريدة المحلية في برنستون وكيف كشف أنشتاين عن حقيقة نعرته القديسية وتعصبه اليهودي على أوضح ما تكون النعرات ويكون التعصب.

للبحث بقية

<<  <  ج:
ص:  >  >>