وتتلمذ عليه في مصر رواد الحركة الإصلاحية والجهادية من أمثال محمد عبده وأحمد عرابي وسعد زغلول ومصطفى كامل وعبد الله النديم، الذين يرجع إليهم الفضل في القضاء على الجمود الفكري، ونبذ الخرافات، واجتمعت أهدافهم على توجيه الأمة إلى التطلع بعين البصيرة، وقلب الحمية، إلى عالم النور والحرية، كما نشطت الصحافة حتى كانت لمراجل الثورة وقوداً غير منقطع، وتبودلت الصحف الإسلامية في شتى الأقطار للوقوف على احدث الخطوات، واعتلى دعاة الحرية منابر الثورة، لتحريك النفوس الهامدة، وتأجيج النار الخامدة تحت رماد الخطوب.
وما وافت سنة ١٩١١ حتى صدقت الحوادث نبوءات السيد جمال الدين، وكان كالذي أمر قومه بأمره وتحذيره، حتى استبانوا الرشد في صحوة الصباح فقد انتهكت إيطاليا حرمة طرابلس، وشقت الدول النصرانية البلقائية عصا الطاعة على تركيا بتحريض من دول الاستعمار على دول الخلافة، أملاً في خضد شوكتها، وتوهين نفوذها في سائر البلاد الإسلامية، فلم تلبث هذه البلاد أن استنفرت آسادها في سبيل الله والوطن، فكان ما لم يكن له حساب عند الأوربيين الذين استيقظوا من سباتهم على القوة الإسلامية الكاسحة مما جعل (السير موريسون) يقول (لا مراء في أن الإسلام أكثر من عقيدة دينية بل هو نظام اجتماعي تام الجهاز: هو حضارة أكتمل نسيجها، حضارة لها فلسفتها وتهذيبها وفنونها) ثم أخذ يستعرض صمود هذا الدين المتين في مواجهة الأحداث (حتى صار وحدة جامعة نامية نمو الجسم الطبيعي سائراً سيره بفعل نظامه الذاتي الكامن فيه).