المحاربون الإنجليز بعد أن توالت عليهم الضربات من سياستهم الغاشمة، فطلبوا الهدنة وتم الصلح سنة ١٩٢١. استقلال الأفغان في سياسة الداخل والخارج، مع تحديد المناطق الحرام بين الهند والأفغان.
وإيماناً من الملك بنفسه، واعتزازاً بالاستقلال التام يؤخذ بالجهاد، ولا يستجدي من أحد، أسرع - قبل عقد الصلح - إلى إرسال سفرائه إلى طهران وأنقره، كما عقد معاهدة مع تركيا وروسيا، فكان لهذه السياسة نتائجها العملية في الاستقلال حقيقة واقعة.
ولما فرغ الشاه من المشاكل الداخلية في بلاده، شرع يعمل على توطيد الروابط بينه وبين إنجلترا من جهة، والدول الإسلامية من جهة أخرى، ولا سيما تركيا ومصر، وبذلك لم يهمل الأواصر المتينة التي تربط الأفغان بالعالم الإسلامي حرصاً منه على المشاركة الفعالة في آلامه وآماله وفي سنة ١٩٢٩ خلعه الشعب المسلم المستنير لما رأى من تطرفه الأوربي وخلفه جلالة الملك الحالي محمد ظاهر.
في معترك هذا النضال أنجبت الأفغان فيلسوف الشرق (السيد جمال الدين الأفغاني) الذي يعتبر أول باعث لفكرة الإسلامية، وأستاذ المفكرين الأحرار ممن تلقوا على يديه تعاليم النهضة الفكرية، ورفعوا مشاعل الاستقلال في وجه الاستعمار الجاثم على صدر العالم الإسلامي.
كان أبوه السيد صفدر ممن يخشى نفوذهم (دوست محمد خان)، ولما بلغ جمال الدين الثامنة عشرة. كان قد أستكمل علومه في كابل، فارتحل إلى الهند حيث تعرف على أحوالها في خلال السنتين اللتين قضاهما بها. ثم وصل إلى مكة سنة ١٨٥٧ ووقف هناك على ينبوع الجامعة الإسلامية. فأنشأ بها جمعية أم القرى. ولما بلغ السابعة والعشرين أختاره أعظم خان ليكون رئيس وزرائه لسعة أفقه، وإدراكه لعظائم الأمور.
ومن الطبيعي أن تعمل له دول الاستعمار ألف حساب، وأن تحاربه بكافة الطرق المباشرة وغير المباشرة. وحشدت في وجهه الفلول الجامدة، كلما قصد بلداً إسلامياً، وكثيراً ما كان يتهافت عليه الناس تهافت الفراش على النار.
وفي الحق أن جمال الدين كان كذلك، فلم ينزل ببلد إلا أرث فيه الجذوة الكامنة، وجلا جوهره النفيس الذي ينطوي عليه كل مؤمن بدينه، وحذر من تألب المستعمرين على