للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأعينا لا يبصرون بها وآذانا لا يسمعون بها. ألا ترى نفسك بعدئذ مسوقاً إلى إنزالهم منزلة البهائم، فإذا ورد هذا التشبيه عليك، وجد في قلبك مكانا ولم تجد فيه بعداً ولا غرابة، بل يزل بهم حيناً عن درجة الأنعام فيراهم خشباً مسندة.

وحيناً يريد أن يصورهم، وقد وجدوا في الهرب والنفرة تلك الدعوة الجديدة فيقول: (فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمرة مستنفرة، فرت من قسورة)، وقد تحدثنا عن هذا التشبيه فيما مضى.

أما هذا آمن ثم كفر وأنسلخ عن الإيمان وأتبع هواه فقد عاش مثال الذلة والهوان، وقد وجد القرآن في الكلب شبها يبين عن خسته وحقارته. ومما يزيد في الصلة بين الاثنين أن هذا المنسلخ يظل غير مطمئن القلب، مزعزع العقيدة مضطرب الفؤاد سواء أدعوته إلى الإيمان، أم أهملت أمره، كالكلب يظل لاهث طردثه أو زجرته، أم تركته وأهملته، قال: (وأتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فأنسلخ منها، فأتبعه الشيطان، فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض وأتبع هواه، فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا، فأقصص القصص لعلهم يتفكرون).

ولم ينس القرآن تصوير حيويتهم، واضطراب نفسيتهم في اضطرابهم صلة بينهم وبين من أستوقد ناراً ثم ذهب الله بنورهم وبين السائر تحت منهمر فيه ظلمات ورعد وبرق.

وصور وهن ما يعتمد عليه من يتخذ من دون الله أولياء بوهن بيت العنكبوت، وحين أراد أن يتحدث عن أن هؤلاء الأولياء لن يستفيد منهم عابد وهم بشيء، رأى في هذا الذي كفيه إلى الماء، يريد وهو على تلك الحال أن ينقل الماء إلى فيه، وما هو ببالغه شبيها لهم فقال: (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، ما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال).

وتعرض لأعمال الكفرة كما سبق أن ذكرنا ولصدقاتهم التي كان جديراً بها أن تثمر ونزهر، ويفيدوا منها لولا أن هبت عليهم ريح الشرك فأبادتها، كما تهب الريح الشديدة البرد بزرع كان ينتظر إثماره فأهلكته: (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح، فيها صر، أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته، وما ظلمهم الله، ولكن أنفسهم يظلمون).

وهناك طائفة من التشبيهات ترتبط بيوم القيامة لجأ إليها القرآن للتصوير والتأثير معاً، فإذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>