أراد القرآن أن يبين قدرة الله على أن يأتي بذلك اليوم، بأسرع مما يتصور المتصورون لجأ إلى أسرع مما يراه الرائي، فأتخذه مثلا يؤدي إلى الهدف المراد، فيقول:(وله غيب السماوات والأرض، وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب، إن الله على كل شيء قدير).
ويقرب أمر البعث إلى الأذهان بتوجيه النظر إلى بدء خلق الإنسان، وأن هذا البعث صورة من هذا البدء فيقول:(كما بدأكم تعودون) وبتوجيه النظر إلى هذا السحاب الثقال يسوقه الله لبلد ميت، حتى إذا نزل ماؤه دبت الحياة في أوصال الأرض خرج الثمر منها يانعاً، وهكذا يخلق الله الحياة في الموتى، قال سبحانه: وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته، حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقاه لبلد ميت، فأنزلنا به الماء، فأخرجنا به من كل الثمرات، كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون)
وإذا جاء يوم القيامة أستيقظ الناس لا يشعرون بأنه قد مضى عليهم حين من الدهر طويل منذ فارقوا حياتهم، ويورد القرآن من التشبيه ما يصور هذه الحالة النفسية العجيبة، فيقول (يوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم، قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله، وما كانوا مهتدين)، وإذا نظرت إلى قوة التشبيه مقترنة بقوله: يتعارفون بينهم، أدركت مدى ما يستطيع أن يحدثه في النفس من أثر. وقد كرر هذا المعنى في موضع آخر يريد أن يثبته في النفس ويؤكده فقال:(يسألونك عن الساعة إيان مرساها، فيم أنت من ذكراها، إلى ربك منتهاها، إنما أنت منذر من يخشاها، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها).
هاهم أولاء قد بعثوا خارجين من أجداثهم في كثرة لا تدرك العين مدرها، وماذا يستطيع أن يرسم لك تلك الصورة، تدل على الغزارة والحركة والانبعاث، أفضل من هذا التشبيه الذي أورده القرآن حين قال:(خشعاً أبصارهم، يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشرة، مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر). وحينا يصورهم ضعافاً يتهافتون مسرعين إلى الداعي كي يحاسبهم فيجد في الفراش صورتهم، فيقول:(القارعة ما القارعة، وما أدراك ما القارعة، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث). ولا أخال أحداً لم ير الفراش يسرع إلى الضوء، ويتهافت عليه في ضعف وإلحاف معاً، ولقد تناول القرآن إسراعهم مرة