للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

انتزعناها من كتابه إحياء علوم الدين عالماً نفسياً كبيراً وعبقرياً في فهم الطبائع البشرية وأسرار النفس الإنسانية خطيراً. قد ظهر الغزالي في هذه القطعة فاهماً للشعور الإنساني كل الفهم، مدركاً للعملية العقلية كل الإدراك، فهو لم يعالج في هذه القطعة موضوع (العمل) فحسب بل عالج جملة الشعور وكلية العملية العقلية. عالجها هذه المعالجة الدقيقة المتقنة السهلة الواضحة المبسطة التي تدل دلالة تامة على أن الرجل قد أوصله تأمله في نفسه وملاحظته لغيره إلى أعمق أغوار النفس البشرية فتغلغل في تلك الأغوار البعيدة تغلغل القوي القادر وعاد يحمل إلى العقل البشري هذه الأسرار العظيمة عن النفس البشرية والطبائع الإنسانية فينتفع بها الناس كافة. ونحن لا نحب أن نترك هذه القطعة النفسية العظيمة الفائدة دون أن نشير إلى التشابه بين ما جاء فيها وما جاء على قلم العالم الاجتماعي الكبير غوستاف لويون في كتابه الآراء والمعتقدات عن اللذة والألم كعاملين للحركة وباعثين للرغبة. ويقول الدكتور لويون:

(اللذة والألم يورثان الرغبة، أي الرغبة في بلوغ اللذة واجتناب الألم. فالرغبة هي المحرك الأساسي للإرادة والباعث على العمل، والرغبة هي التي توحي إلى الإرادة التي تكون بدونها معدومة. وعلى نسبة الرغبة تكون الإرادة قوية أو ضعيفة. ومع ذلك لا يجوز خلط الإرادة بالرغبة كما فعل كثير من الفلاسفة كشوبنهور وكوندياك. فإذا كانت الرغبة مصدر كل ما يراد فإنه يرغب في أمور كثيرة لا تراد. فالإرادة تتضمن التأمل والقصد والتنفيذ. إلى أن يقول:

والأمل أبن الرغبة لا الرغبة نفسها. إذ هو عبارة عن استعداد نفسي يجعل الإنسان يعتقد إمكان تحقيق ما فيه من رغبة. فقد يرغب المرء في شيء دون أن يأمله، فعلى قلة من يأملون الثروة نرى جميع الناس يرغبون فيها، وكذلك العلماء فأنهم يرغبن في اكتشاف علة العلل مع أهم لا يأملون أن يصلوا إليه. وقد تقرب الرغبة من الأمل في بعض الأحيان فتختلط به. فالإنسان في لعبة الدولاب يرغب في الربح ويأمله. ويمكننا أن نعرف الأمل باللذة المرجوة. وفي الغالب يكون الأمل في دور الرجاء أشعتي للعلة منه في إيجازه، وسبب ذلك واضح، فاللذة المنجزة تكون محدودة مقداراً وزماناً مع أنه لا حد لما يوجه الأمل من أحلام ولم يوجد سلطان الأمل وفتنته إلا لاشتماله على ما في اللذة من ممكنات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>