فهو عصا سحر قادرة على تحويل كل شيء. وهذا هو سر الكون دعاة التجدد لم يفعلوا سوى إقامة أمل مكان آخر).
ولا يفوتنا بعد كل ما تقدم عن النزوع أن نتحدث قليلاً عن سلوك الغزالي بالنسبة إلى أهدافه، يقول الغزالي:
(قد خلق الإنسان بحيث يوافقه بعض الأمور ويخالفه بعضها، فيحتاج إلى جلب الملائم الموافق ودفع الضار المنافي) وهو بهذا قد وضع قاعدة جلب اللذة ودفع الألم. وقال في موضع آخر:
(المحرك الأول هو الغرض المطلوب وهو الباعث. والغرض الباعث هو القصد المنوي، وهو بهذا قد وضع قاعدة الهدف الباعث. ولننظر الآن لنعرف ما هو الهدف الباعث للغزالي في حياته. وأين اللذة المجلوبة في هذا الهدف وأي الألم المدفوع. نريد أن نعرف هذا لنستطيع أن نعلل سلوك هذا الرجل على ضوء علم النفس الذي يشرف علينا من هذه السطور التي سطرها قلمه مغموسً بعصارة نفسه وخلاصة حياته.
قد وضع الغزالي لنفسه هدفاً يجلب بالحصول عليه اللذة وهو الجنة، فالجنة هدف الغزالي الباعث له على ذلك السلوك الذي سلكه في حياته؛ وقد كانت العبادة هي الطريق - أو الوسيلة - الموصلة إلى الهدف. وقد تركزت في هدف الغزالي كل رغباته، فكان منساقاً إلى الهدف بكل ما في رغباته من قوة وعنف. وقد وضع الغزالي لنفسه باعثاً آخر ولكنه باعث مكروه لأنه مصدر ألم وهو نار جهنم والعياذ بالله. فقد حرك هذا الألم في نفس الغزالي الرغبة في الهروب ابتغاء النجاة والطمأنينة، الهروب من الدنيا إلى الآخرة، من نار جهنم إلى جنات النعيم ونحن إذا فهمنا هذا جيداً استطعنا أن نفهم العلة في سلبية الغزالي وانطوائه على نفسه وعده رغبات الحياة الإيجابية مهلكة تجب النجاة منها، ورغبات الحياة السلبية منجية يجب الاعتصام بها. إذا فهمنا هذا جيداً استطعنا أن نفهم السبب في اعتبار الغزالي غرائز الغضب والتغلب السيطرة والمنافسة وحب المدح والجاه والثراء وما إليها يجب الابتعاد عنها والتخلص منها بالخوف والخضوع والانقياد والزهد والفقر وما إليها من الغرائز والرغبات السلبية.