الأستاذ العقاد معجب كل الإعجاب بدستويفسكي لا يكاد يفضل عليه قصاصاً سواه، هو لا يقف وحده في مجال الإعجاب بسيد كتاب القصة الروسية إنما يقف إلى جابه الكاتب الفرنسي الكبير أندريه جيد. وكاتب هذه السطور مقدر كل التقدير بلزاك لا يكاد يعدل به أحداً في مزاياه، وهو لا ينفرد بهذا التقدير لسيد كتاب القصة الفرنسية وإنما يشاركه فيه الكاتب الروسي العظيم فيدرودستويفسكي. . وإذا شهد دستويفسكي لبلزاك فهي الشهادة التي يعتز بها النقد ويحلها من مقاييسه في أبرز مكان!!
هذه حقيقة لا يجادل فيها كل مطلع على تاريخ دستويفسكي وكل دارس لحياته الفنية. . لقد قرأ الكاتب الروسي كثيراً من آثار بلزاك قبل أن تناول قلمه ليخرج للناس أول قصة، وكان إعجابه به هو إعجاب المعترف بالفضل حين يتمثل في القول المأثور أو الرأي المكتوب. . . وأبلغ الدلالة على هذا الإعجاب هو إقباله في مطلع الشباب على إحدى روائع بلزاك يقرؤها في نهم ويدرسها بعناية، ثم يأخذ في نقلها إلى لغته كنموذج رفيع لأدب القصة، ونعني بها رواية (أوجيني جرانديه) التي نشر ترجمتها في إحدى الصحف الأدبية الروسية!
حدث هذا على الرغم من تلك العصبية الإقليمية التي أشتهر بها دستويفسكي ورمي في سبيلها من مؤرخي الأدب بأقسى النعوت والأوصاف. . كان يفضل الشعب الروسي على غيره من الشعوب: فثقافته في رأيه هي خير الثقافات؛ وحضارته في نظره هي أرقى الحضارات، وقس إلى ذلك أغلب آرائه وأحكامه حين تدعو المناسبة إلى وضع الأدباء الروسيين في الميزان. . . هو مفتون بشعر (هيجو) الفرنسي يردده بينه وبين نفسه وبينه وبين الأصدقاء، ولكنه ينتصب واقفاً على قدميه ليدفع عن شعر (بوشكين) الروسي كلما هم لسان بالمقارنة بين الشاعرين، ثم لا يعدو مكانه إلا وقد خفض من قدر الأول ورفع من شأن الأخير! وهكذا كان حاله في كل موقف يتطرق الحديث فيه إلى المدح بين أدباء وطنه وأدباء غيره من الأوطان، إلا بلزاك. . فقد رأيه فيه فوق ك شك وفوق كل اتهام، حتى لتتوارى العصبية الإقليمية ولا تبقى غير كلمة الحق يجهر بها في إعجاب منقطع النظير. وحسبنا من دستويفسكي تقديراً لبلزاك تلك الحملة شنها على الناقد الروسي (بلنسكي)