ولقد قلنا ونحن نستعرض جوانب الملكة القاصة عند بلزاك ونشير إلى مزاياه:(لقد كان بلزاك دارس نفسيات من الأول، حتى لتستحيل النفس الإنسانية تحت لمسات ريشة غرفة مفتحة النوافذ والأبواب. وكان راسم شخصيات لا له، حتى لتطالعك النماذج البشرية في ساحة عرضه الفني كما تطالعك في ساحة العرض الكبرى نعني بها الحياة. . . وكانيخسر الحوادث والشخوص لإبراز فكرته العامة التي ينسج خيوطها العرض والحوار، فإذا هذه الفكرة منشورة على حدود القصة تمتد ظلالها من البداية إلى النهاية. . . وكان في التزامه لعنصر الواقعية الفنية مثلاُ أعلى للمراقبة الحسية والنفسية حين تعملان في خط اتجاه فكري واحد ينتظم كل من خطوط).
ويقول الأستاذ العقاد عن دستويفسكي في مقاله الذي نشر في الهلال:(فالمواقف الغرامية من أهم المشوقات في القصة على العموم، ولكنك لا ترى رواية لدستويفسكي تحل الغراميات في المحل الأول، ولعلها لا ترتقي في معظم روايات المرتبة الثانية من مراتب العناية، فهي فضول يأتي في السياق اضطراراً ويوشك أن يسقط من الحساب لولا أن إسقاطه واحدة مجافاة للواقع في العلاقات بين الناس. . . ومن نواحي التشويق التي لا يكترث لها دستويفسكي تضخيم الحوادث والأكثار من المزعجات أو الطوارق التي تهول العدد الأكبر من قراء القصص فربما دارت القصة كلها على حادثة واحدة من الحوادث اليومية، وهي تشتمل على مئات من الصفحات. . . وقلما يتحدث هذا الكاتب الموهوب عن (الشخصيات) العظيمة التي تعود الناس أن يستطلعوا أنباءها ولو كانت من توافه الأنباء، فمعظم شخصياته من صغار القوم الذي يعدون في المجتمعات بالألوف والملايين، ولكنه يجعلهم على الرغم من ذلك (مهمين) جداً كأنهم ذوو قرابة يشغلون بال القارئ لقرابتهم لا لأنهم ذوو خطر أو لأن حوادثهم ذات بال.
هذه هي النواحي التي لا يكترث لها دستويفسكي في رواياته، فليس هو كاتب غراميات ولا كاتب جرائم ولا كاتب بطولات ومظاهر تروع الناس بالمناصب والألقاب. . . وعلى الرغم من هذا كله يكتب ويشوق ويبلغ الغاية في التشويق والإبداع، فلولا قدرة خارقة في ذلك القلم لما استطاع أن يرتفع إلى القمة العليا بين كتاب الرواية في جميع العصور! ما