للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفن. هذا التصميم الذي تدعو إليه بنظم هيكله العام أصول الأداء النفسي في الشعر والتصوير والموسيقى. هناك حيث تتوقف قيمة الفنان على مدى خبرته بتلوين الألفاظ والأجواء في الميدان الأول، وتوزع الظلال والأضواء في الميدان الثاني، وتوجه الأنغام والأصوات في الميدان الأخير. ولا بد للأداء النفسي في الشعر من هذا (التصميم الداخلي). لا بد من جمع أدوات العمل الفني وترتيبها في ذلك المستودع العميق. مستودع النفس، قبل أن تدفع بها إلى الوجود كائناً مكتمل الخلقة متناسق الأعضاء. . . أننا ننك ذلك الشعر الذي تكون فيه القصيدة أشبه بتيه تطمس فيه معالم الطرق وتنمى الجهات أو أشبه بمولود خرج إلى الحياة قبل موعده فخرج وهو ناقص النمو مشوه القسمات!) أهـ.

والذي ينعم فيما اقتبسناه من رأى الأستاذ الفنان المعداوي يخيل إليه أن عمل الفنان لا يفترق عن عمل المهندس في كثير أو قليل؛ ذلك أن المهندس يجلس إلى منضدته وأدواته الهندسية في زحمة الأرقام والأبعاد والحجوم، وتحت سيطرة العقل الواعي وحدة الذهن، وهدوء الطبع، يرسم على أوراقه التصاميم التي يطلب منه عملها؛ من عمارات، وجسور، وطرق، وإنفاق، إلى أخر ما هنالك من أعمال هندسية، حتى إذا ما فرغ من عمله المعقد الدقيق، وحساباته التي تحطم الرأس، نقل ما على الأوراق من أشكال إلى مسرح العمل، وراحت تلك التصاميم تأخذ طريقها إلى الوجود رويداً، رويداً، كل ذلك وهو يراقب العمل مراقبة دقيقة يعينها عليها العلم، وتسنده التجارب لئلا يقه في أخطاء قد تنشأ عنها كوارث تدمر حياة الآخرين وما يملكون، وتقضى على مركزه في المجتمع الذي لا يرحم من يمنى بالفشل الذريع.

والواقع أن الفنان من شاعر، ومصور، وموسيقي، لا علاقة له بكل ما ذكرناه. أنه يعمل في الجو الذي يندمج فيه الفنان بروحه مع السر الغامض في الطبيعة حيث يسقط العقل الواعي صريعاً تحت ضربات النفس الإنسانية التي يكتبها ذلك العقل دائماً؛ أنه يعمل في منطقة التخدر الحسي، تلك المنطقة التي لا تسيطر عليها غير العواطف؛ تتجمع في أجوائها كما يتجمع السحاب، من بواعث إثارة المشاعر عن طريق مؤثر خارجي حينا، وعن طريق مؤثر يطل برأسه من رماد الذكريات المخيفة في مخزن النفس العميق حينا آخر، فإذا بتلك السحب ترسل الغيث مدراراً، وإذا بتلك النفحات الإلهية تأخذ مكانها إلى الحياة وراء

<<  <  ج:
ص:  >  >>